بيروت - لبنان

اخر الأخبار

17 أيار 2019 12:33ص عفوك مولانا...

حجم الخط
عفوك صاحب السماحة،

لم أذهب إلى ضريحك في ذكرى استشهادك الثلاثين، لأنني ما زلت أعتبر أن إحياء ذكراك العطرة هو أكبر من مجرّد وقفة على الضريح.

 عفوك صاحب السماحة،

لقد غرست فينا روح الصمود والإيمان بأن الحق لا بد أن ينتصر، مهما طالت أيام الباطل، ومهما بلغ جبروت الظالم، ولكننا تخاذلنا أمام الباطل، واستسلمنا للظالم، وضاعت منا معاني الصمود.

 عفوك صاحب السماحة،

لقد جمعت صفوف القيادات السياسية الإسلامية في زمن الحرب والانقسامات والفِرقة، ونحن اليوم في زمن السلام المزعوم، تنهش مخاطر الفتنة عقولنا وقلوبنا، ولم يعد بالإمكان توحيد صف، ولا جمع كلمة، ولا عقد لقاء.

عفوك صاحب السماحة،

ترأست القمم المحلية وشاركت في المؤتمرات الخارجية، ورفعت الصوت عالياً دفاعاً عن الوطن وسيادته، وحرية مواطنيه، ونحن اليوم نفتقد حماسة أهل القمة، وخسرنا اهتمام المشاركين في المؤتمرات، وأصبح صوتنا خافتاً، وبالكاد نستطيع سماعه في مجالسنا،

 عفوك صاحب السماحة،

جعلت من الاعتدال منهجاً، ومن الحوار نهجاً، وسعيت للحفاظ على الروابط مع الشريك في الوطن في ذروة جنون السلاح، وفوضى المسلحين، فذهبت إلى بكركي لتهنئة سيدها الجديد الذي سيلاقيك في منتصف الطريق ويرد لك الزيارة، رغم مخاطر العبور على المعابر والمرور على حواجز المسلحين، وعندما طالتك يد الغدر في ذلك اليوم الأسود، شعر البطريرك التاريخي بفداحة الخسارة الوطنية، فبادر إلى تقبّل التعازي في صرح بكركي لتأكيد وحدة المصير بين أبناء الوطن الواحد، رغم كل ما كان يعانيه من أمراض الحروب والتشرذم والانقسامات.

 عفوك صاحب السماحة، 

الاعتدال أصبح مرادفاً للاستسلام، والحوار أصبح مبرراً للتنازلات، والحرص على العلاقة مع الشريك في الوطن أصبح يُغلف التخلي عن الحقوق والتوازنات، وكأن الوضع لا يستقيم إلا باستضعاف أهلك، وتجاوز دورهم وتضحياتهم من قيامة هذا الوطن.

 عفواً مولانا،

شهادتك كانت نوراً أرشدنا إلى سواء السبيل في الأيام الظلماء، ولكننا لم نكن بمستوى الأمانة والمسؤولية، فأضعنا، مرة أخرى، الطريق.

مولانا،

أسعفنا بدعواتك من عليائك، علّ السميع، الرحيم، يرحمنا ويخفف عنا ما نحن به من بلاء.