الزائر، بعد سنوات من الغياب، لبيت الله الحرام في مكة المكرمة، وللمسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة، تُغالبه مشاعر الإعجاب والدهشة لحجم التوسعات والتجهيزات الجديدة التي تم تنفيذها، بأرقي المستويات الهندسية والمعمارية، مع المحافظة على الطابع التاريخي المميز لهذين الركنين الأساسيين في حياة المسلمين.
مئات الألوف جاؤوا من كل فج عميق، من أنحاء المعمورة، ومن أجناس متعددة، وألوان مختلفة، ولغات غير متشابهة، جمعهم الحرم المكي، وألّف بين قلوبهم، ووحّد ألسنتهم، ليهتفوا بلغة واحدة، وبلهجات عديدة: لبّيك اللهم... لبّيك.
في غمرة الإحساس بالسكينة والارتياح الروحاني، لا تستطيع أن تغفل عما يجري حولك، والذي لا يكاد يكون له مثيل في العالم كله:
١- حشود متدافعة حول الكعبة المشرفة على مدار الساعة، ليلاً ونهاراً، بحركة تُشابه وتيرة الزمن المتسارع، وعلى إيقاع الساعة ذات النبض المتوازن بإحكام، وبنظام يجمع بين حركتي المُصلي والمُعتمر، مثل نظام الشمس والقمر، اللذين إذا غاب الواحد منهما حضر الآخر، بقدرة القادر والقدير.
٢- جماعات متوافدة على المسجد النبوي الشريف في المدينة، لتؤدي الصلوات الخمس بخشوع وإيمان تفرضه محبة سيّد المرسلين، ووهرة البقعة التي انطلق منها الإسلام إلى آفاق العالم، بدءاً من فتح مكة والانتصار على كفار قريش، وصولاً إلى الأندلس وأواسط القارة الأوروبية.
٣- التوسعات المتتالية في الحرم المكي وفي المسجد النبوي لا تتوقف، ولكنها ما زالت تضيق بالحجاج والمعتمرين، الذين ترتفع أعدادهم كل سنة، وتضيق معها المساحات الجديدة على ضخامتها وامتداداتها.
٤- حقق خط سكة الحديد الذي تم افتتاحه في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز سهولة فائقة في الانتقال بين مكة والمدينة، وفي أجواء مميزة من الراحة والعناية التي تليق بزوار الحرمين الشريفين، والسير على سنة الله ورسوله. وكانت الرحلة بين المدينتين المقدستين تستغرق ساعات طويلة من العناء والإرهاق، وفي ظروف مناخية صعبة: شديدة البرودة في الشتاء، ومرتفعة الحرارة في الصيف.
تُتابع حركة المؤمنين في الحرمين، شيبة وشباباً، نساءً وأطفالاً، فيدهشك هذا الاندفاع على طرق الورع والإيمان، ويزيدك هذا المشهد إيماناً بعظمة هذا الدين المنتشر في أنحاء بقاع الأرض، والذي جمع بعقيدته وقرآنه آلاف الملايين، الذين تباعد بينهم المسافات واللغات والأعراق والألوان، ولكنهم اجتمعوا في رحاب «وادٍ غير ذي زرع»، ليرددوا بصوت واحد: الله أكبر.