فضائح السلطة تتوالى فصولاً، وبشكل يزيد الناس إحباطاً ليس من إمكانية تحقيق الحد الأدنى من الإصلاح وحسب، بل من الإمعان في ممارسات أقل ما يُقال فيها، تحويل الدولة إلى مزرعة للمحسوبيات والأزلام، على حساب هيبة المؤسسات، وسمعة دولة القانون والعدالة والكفاءة.
من مساوئ الصدف في زمن هذا الحكم المضطرب، تلازم صدور قرارين يرسمان مستوى الأداء المتردي للسلطة، في مرحلة أحوج ما يكون فيها لبنان إلى الإدارة الرشيدة، وتغليب منطق القانون على حسابات المصالح الحزبية والشخصية والأنانية.
القرار الأول صدر عن مجلس الوزراء بالموافقة على المراسيم التنفيذية لإنشاء محافظة جبيل وكسروان، وذلك في فترة قياسية غير مسبوقة في مسار المحافظات الجديدة، لا سيما محافظتي عكار والهرمل، اللتين إستغرقت مراسيهما التنفيذية بضع سنوات، قبل أن تُبصر النور، ومضت فترات طويلة أخرى قبل أن يتم تسمية المحافظيْن وتعيين الكوادر الإدارية والموظفين.
والسؤال برسم أهل القرار، وخاصة وزير الداخلية المعني مباشرة بهذا الملف، ومعه رئيس التيار الوطني الحر: هل وضع الدولة التي تشكو من تخمة الموظفين، وتُعاني من عجز مالي وصل إلى مشارف الإفلاس، يسمح بتعيين المزيد من الموظفين، وإنشاء المزيد من المحافظات، رغم الأعباء المالية الجديدة التي تُحملها للخزينة الفارغة؟ وهل مراعاة مصالح طرف حزبي محسوب على فريق العهد، تتقدم على ما عداها من ضرورات سياسة التقشف ووقف الإنفاق غير المجدي؟
القرار الثاني صدر أمس عن المجلس الدستوري ويقضي بإبطال قانون آليات التعيين في الوظيفة العامة، الذي أقره مجلس النواب بعد نقاشات مستفيضة في اللجان المعنية. إلغاء هذا القانون الذي يفرض إعتماد الكفاءة والنزاهة والإختصاص في التعيينات الإدارية، بحجة تعارضه مع صلاحيات الوزير، يعني تكريس قواعد التعيين على مقياس الوزير ومصالحه السياسية والحزبية، على خلفية الزبائنية والإستزلام، دون أي إعتبار لمبادئ الكفاءة والإختصاص.
إلغاء هذا القانون، هو عملياً إلغاء لدور المؤسسات الدستورية، مثل مجاس النواب، وللهيئات الرقابية، مثل مجلس الخدمة وهيئة التفتيش المركزي، على سبيل المثال لا الحصر!
لبنان في زمن الإنهيار يعود إلى عهد الدولة المزرعة، ويبتعد أكثر فأكثر عن دولة المؤسسات!