في عتمة الأوضاع المتردية، حكومياً وقضائياً، مالياً واجتماعياً، ظهر شهابٌ خاطفٌ خرق هذه الظلمة، من خلال البيان الرسمي الذي أصدره وزير الخارجية شربل وهبه لإدانة الاعتداء الحوثي الأخير على ميناء جده، والذي أصاب ناقلة نفط بريطانية كانت متواجدة في المرفأ السعودي.
هي المرة الأولى، منذ فترة طويلة، التي يصدر فيها بيان عن الخارجية اللبنانية في إدانة واستنكار الاعتداءات على الأهداف المدنية في المملكة، بعد صمت مريب وطويل، كان موضع شجب واستغراب الجالية اللبنانية في السعودية، التي وجدت نفسها أكثر من مرة في موقف حرج تجاه الأخوان السعوديين.
لا مجال للمقارنة بين أهمية الروابط الأخوية والتاريخية، بين بيروت والرياض، وواقع العلاقات العادية مع الأطراف الأخرى، حيث كانت المملكة، قيادة وشعباً، دائماً إلى جانب لبنان في الأزمات والملمات، تلملم الأطراف، تبلسم الجراح، وتبادر إلى المساهمة السخية في إصلاح الأضرار.
وتعتبر الأسواق السعودية خاصة، والخليجية عامة، الوجهة الأولى في تصدير المنتوجات الصناعية والزراعية اللبنانية، كما أن الأشقاء السعوديين كانوا يحتلون المركز الأول في الحركة السياحية، عدداً وإنفاقاً.
وفي زمن التعثر والإفلاس المالي الذي يتخبّط فيه لبنان، يبدو الغياب السعودي عن لبنان موجعاً، قياساً على ظروف مشابهة سابقة، حيث كانت المساعدات المالية الفورية تنهال على الوطن المعذب، ودائع في البنك المركزي، ومساعدات إنمائية وأخرى لإصلاح ما دمرته الاعتداءات الإسرائيلية أو الحروب الداخلية.
ورغم المواقف غير الودية التي اتخذتها الديبلوماسية اللبنانية في السنوات الأخيرة من الاعتداءات الحوثية المتكررة على الأهداف المدنية في السعودية، بقيت الرياض حريصة على دعم الشقيق الأصغر في مؤتمرات الدول المانحة، ولكن مع الأخذ بعين الاعتبار الشروط التي تقررها الدول المشاركة، وخاصة بالنسبة لتحقيق الإصلاحات البنيوية المالية والإدارية، والتي ما زال الحكم الحالي عاجزاً عن تنفيذها.
خطوة الخارجية يمكن أن تتحوّل إلى مبادرة لتحريك الجمود الحالي في العلاقات اللبنانية - السعودية، في حال استتبعها وزير الخارجية باتصال مباشر بزميله السعودي، مثلاً، لإضفاء بعض الحرارة على الموقف اللبناني، وكسر الجليد الذي يلف العلاقات الأخوية بين البلدين الشقيقين!