كل شيء في لندن بقدر. يستطيع الزائر أن يُحدّد حاجياته حسب قدراته. والمدينة العريقة تعرف كيف توفر الخدمات لكل زائر وفق إمكاناته. الفنادق، مثلاً، تستقبل أصحاب الدخل المحدود بأقل من خمسين جنيهاً في اليوم، وثمّة من تتجاوز أسعار إقامة الليلة الواحدة فيه الألف جنيه إسترليني!
وكذلك حال المطاعم التي تقدم الوجبات السريعة النظيفة والجاهزة بجنيهات معدودات، في حين تصل قيمة الوجبة الواحدة في المطاعم الفاخرة والفنادق الكبرى إلى أكثر من ثلاثمائة جنيه إسترليني!
أما الأسواق، فما زالت العاصمة البريطانية تتفوق على غيرها من العواصم الأوروبية في حركة أسواق ناشطة على مدار السنة، وبوجود سلسلة من المحلات التي توفر ألبسة الموضة بأسعار متدنية، من دون التركيز على نوعية الأقمشة أو المواد المصنعة، ولكنها تُغري الشاري بشراء أكبر كمية ممكنة، على اعتبار أنها رخيصة.
يُضاف إلى كل ذلك طبعاً، مستوى النظام العام السائد في المدينة، سواء على مستوى حركة السير الكثيفة معظم ساعات النهار، أم بالنسبة للنظافة في عاصمة يبلغ تعداد مواطنيها وزوارها نهاراً أكثر من خمسة عشر مليون نسمة، يتم استيعاب حركتهم في وسائل النقل العام، من أوتوبيسات لندن الحمراء الشهيرة، أو خطوط المترو التي تشهد ازدحاماً شديداً في ساعات الذروة، فضلاً عن شبكات سيارات التاكسي اللندنية التقليدية، التي أصبحت من معالم المدينة، إضافة إلى دخول شبكات النقل عبر «الأون لاين»، مثل «أوبر» أو «كريم» أو «أديسون»، وهو الأقدم في العاصمة البريطانية.
تعود إلى لندن بعد سنوات من الغياب، فترى أن عاصمة التاج البريطاني، تعيش حركة سياحية وتجارية متزايدة، رغم إشكالات «البريكست»، وتعثر الخروج من الاتحاد الأوروبي. والحضور العربي فيها يكبر عاماً بعد عام، استثمارياً وسياحياً، حيث تُقاس الاستثمارات العربية بمئات المليارات، ويتجاوز عدد السيّاح العرب المليون زائر في أكثر التقديرات تواضعاً، مما يعني أن السياحة وخدماتها أصبحت تشكل جزءاً مهماً من الدخل الوطني البريطاني، وأن ثمّة معرفة وخبرة وحرصاً على إدارة هذا القطاع بما يستحق من اهتمام وتجهيزات وتسهيلات!
أما بيروت، التي كانت يوماً عاصمة السياحة الشرق أوسطية للعرب والأجانب، فما زالت تنتظر الفرج، وزوال كابوس عدم الاستقرار الأمني والسياسي، حتى تستعيد بعض أنفاسها السياحية والتجارية، وتعود الخدمات إلى ما كانت عليه أيام العز والازدهار، بدءًا من إجراءات المطار وتنظيم تاكسي المطار، وصولاً إلى رفع مستوى الأداء في الفنادق والمطاعم السياحية، وفرض الرقابة السياحية المشددة على أسعار القطاعات العاملة في السياحة، سيما وأننا على أبواب موسم سياحي واعد، كما يبشرنا وزير السياحة!
فهل تستعيد بيروت مجد أيام العز في الصيف المقبل؟