لا يمكن التعاطي مع «تفاهم معراب», بعيداً عن المفهوم المكيافيلي المعروف: الغاية تبرّر الوسيلة!
تنفّس اللبنانيون, وخاصة المسيحيين, الصعداء مع نجاح المساعي والمفاوضات التي انتهت بالتوصل إلى ما سُمّي بـ «تفاهم معراب», على خلفية الاتفاق بين «التيار العوني» و«القوات» على دفن ثلاثين سنة من الخلافات والصراعات, كانت أقساها حرب الإلغاء التي دمرت الكثير في المدن والمناطق المسيحية, وكرّست الانقسام العامودي الحاد في المجتمع المسيحي, وأدت إلى إضعاف موقف المسيحيين عشية بدء مؤتمر الطائف, وما تلاه في فترة الوجود السوري, وظهور شعارات الإحباط والاضطهاد والابتعاد عن السلطة, بل ومخاصمتها من قبل المرجعية الدينية في بكركي, بسبب الاستغلال المتمادي للانقسام المسيحي, والصراع المستمر بين «التيار العوني» و«القوات».
عاش المسيحيون قرابة السنتين على أمل الانتهاء من تلك الفترة السوداء, بعد التفاهم الحاصل بين الخصمين التاريخيين في المجتمع المسيحي. ولكن سرعان ما تبين أن ذلك الأمل هو مجرد سراب جديد في الأفق القريب, مع وصول العماد ميشال عون إلى الرئاسة, وبدء ظهور الخلافات مجدداً بين الطرفين, مع انطلاقة مشاورات تشكيل الحكومة المستقيلة حالياً (فريق الرئيس لا يعتبرها حكومة العهد الأولى), وعدم وقوف رئيس التيار جبران باسيل مع «القوات» في مطلبها بالحصول على وزارة سيادية, أو على الأقل مساواتها في عدد الوزارات مع التيار كما نص تفاهم معراب!
لن نردّد ما قاله كُتّاب ومُفكّرون وسياسيون في بنود هذا التفاهم, من هيمنة واختصار للوجود المسيحي, وإلغاء التنوّع المميّز في الخريطة السياسية المسيحية, واحتكار مفضوح للتمثيل المسيحي في السلطة, بل نكتفي بالقول إن هذا التفاهم يجسّد العقلية الماكيافيلية التي تدير العملية السياسية في البلد, واضعة في حساباتها أولاً وأخيراً مقاييس الربح والخسارة, بعيداً عن أي التزام مبدئي أو أخلاقي, وعن أي مفهوم راسخ في العمل الوطني!
مَن يريد أن يبحث في تجربة أمير الانتهازية الإيطالي نيكولا ماكيافيلي, والتي تعود إلى القرون الوسطى, يجد نماذجها حيّة ومتجددة في الحركة السياسية اللبنانية!