استمرار مآسي عائلات المفقودين في الحرب القذرة، وما أعقبها من عمليات خطف وإخفاء للعديد من الأشخاص، يشوّه معاني السلم الأهلي الذي نعيش في كنفه، منذ ثماني وعشرين سنة، ويؤكد عجز الدولة، أو على الأقل عدم جديتها، في إنهاء هذا الملف، والعمل على معالجة ذيوله ومتفرعاته المعقدة.
مع مرور السنوات الطوال، نشأت أجيال من الشباب والشابات، الأبناء ثم الأحفاد، في حيرة من أمرهم، هل هم أيتام؟.. هل أباؤهم وأولياؤهم ما زالوا على قيد الحياة في الزنزانات المظلمة، أم هم قضوا على أيدي خاطفيهم منذ الأيام الأولى لخطفهم..؟ كيف يمكن التصرّف في التركات، وإثبات الوفاة في ظل عدم وجود ما يوثق الحدث، من جهة، وعدم صدور تشريع قانوني يحدد سبل معالجة المشاكل المتراكمة التي تتخبط فيها عائلات المفقودين، من جهة ثانية.
ما ورد على لسان النائب إبراهيم كنعان، ممثلاً الرئيس ميشال عون في الاحتفال باليوم العالمي للمفقودين، وما خلاصته بأن قضية المفقودين والمخفيين قسراً لن يتوقف نزفها إلا بمعرفة الحقيقة كاملة، كلام واقعي ودقيق، ولكن السؤال المشروع: ماذا فعلت الدولة للوصول إلى الحقيقة التى يبحث عنها أهالي المفقودين؟
مشروع «الهيئة الوطنية للكشف عن مصير المفقودين» ما زال حبراً على ورق في أدراج مجلس النواب منذ بضع سنوات، ووزارة المهجرين حصرت مهامها بالبيوت المهدمة، والعائلات المهجرة، ووزارة الشؤون الاجتماعية تهتم بالأيتام والمعاقين، والأجهزة الأمنية تلاحق المرتكبين والمخالفين، وكل أنواع المشتبهين.
أمهات وآباء، بنات وأبناء، أمضوا حياتهم في الاعتصامات والاحتجاجات، وغادروا هذه الدنيا من دون أن يعرفوا عن ذويهم المفقودين ما يُبرّد القلوب ويُريح العقول.
ترى كم من «الأيام العالمية» ستمرّ من جديد، قبل أن «يتوقف نزف» هذه القضية الإنسانية، ومعرفة الحقيقة كاملة!