لم يكن اللبنانيون يعلمون أن بلدهم مزدحم باليد العاملة من أغنى دول العالم: من فرنسا وبريطانيا وأميركا وألمانيا، وكذلك من المملكة العربية السعودية التي يُعتبر دخل الفرد فيها من أعلى النسب في العالم!
هذا الاكتشاف العظيم فاجأنا به وزير خارجيتنا الهمام جبران باسيل، الذي اعتاد المزايدة على أقرانه من السياسيين المحليين، وخاصة المسيحيين، وأعلن قبل يومين أنه يرفض وجود العمالة الأجنبية من هذه الدول الغنية، وإعطاء الأولوية للبنانيين على ما عداهم من الفرنسيين والأميركيين والبريطانيين والألمان، ويبدو أنه نسي الصينيين، ولكنه لم يفوّت الفرصة دون ذكر الأشقاء السعوديين!
كشف هذا الكلام غير المسؤول كم أن صاحبه يعيش في عالم من الأوهام، لا علاقة له بالواقع، حيث أن اليد العاملة الأجنبية في لبنان معروفة الهويات ومصادر البلدان، وهي في معظمها من مصر وسوريا والحبشة وسريلانكا وبنغلادش والفليبين وجزر الموريش، فضلاً عن القادمين من عدة دول أفريقية! حيث يقارب مجموع العاملين في لبنان من هذه البلدان المليون، بينهم نسبة محترمة من العاملات في المنازل!
وكان لافتاً أن «الوزير القوي»، لم يأتِ على ذكر هذه البلدان، ولم يتطرق إلى عدد العاملين منهم في لبنان، وكأن الحديث عن الأيدي العاملة الفقيرة ليس بمستوى خطاب وزير الخارجية، فآثر الكلام عن عمالة الدول الغنية، التي لا وجود أساساً لها في لبنان!
اللبنانيون يدركون جيداً أن وزير العهد المدلل لا يُعير العلاقات الأخوية مع الأشقاء العرب، لا سيما مع المملكة العربية السعودية، حيث تجلت مواقفه السلبية في اجتماعات الجامعة العربية أكثر من مرة، ولا يأخذ في عين الاعتبار مصالح نصف مليون لبناني يعملون في السعودية ودول الخليج العربي الأخرى، يمثلون النسيج اللبناني بمختلف أطيافه، وخاصة الطيف المسيحي، الذي يدّعي دائماً الحرص على وجوده وفعاليته في لبنان والمنطقة!
كلام وزير الخارجية، غير الديبلوماسي، أثار عاصفة من الغضب في أوساط اللبنانيين المنتشرين في الدول الخليجية، حيث بدأ بعضهم يدفع أثمان هذا الكلام المتهور، بفقدان الوظائف والأعمال التي كانوا يشغلونها، وبدأ العديد من رجال الأعمال السعوديين يعلنون على وسائل التواصل الإجتماعي قراراتهم بفصل اللبنانيين العاملين في مؤسساتهم، عملاً بقاعدة التعامل بالمثل، بعدما أعلن الوزير باسيل بأن الأولوية للبنانيين، وليس للسعوديين والفرنسيين والبريطانيين وغيرهم من مواطني الدول الغنية!
مَن سيحاسب «الوزير القوي» على خطاباته الاستفزازية للداخل والخارج على السواء؟