تتوالى إنهيارات القطاعات الإقتصادية والخدماتية المميزة، الواحد تلو الآخر، والحكومة مشغولة بإجتماعات المستشارين الجوفاء، وتكتفي بدور شاهد الزور في هذه المحنة المتمادية، وكأن هذا السقوط المريع يحصل في بلد أبعد من كوكب المريخ!
حتى الأمس القريب، كان لبنان «مستشفى العرب»، وكان القطاع الإستشفائي يتفوق في خبراته الطبية، وتجهيزاته التقنية، وكفاءة الأطباء والممرضين، على كثير من البلدان الأخرى، شرقاً وغرباً.
هذا القطاع الحيوي لعب دوراً بارزاً في تعزيز السياحة الإستشفائية، وتنمية موارد الدخل الوطني في فترات الإستقرار والإزدهار، وذاعت سمعة الطبيب اللبناني في مختلف الأرجاء العربية.
موجة الإنهيارات تضرب منذ أشهر المستشفيات الخاصة التي دقت نواقيس خطر التوقف والإفلاس.
أصحاب المؤسسات الإستشفائية، مستوردو المعدات والمواد الطبية، طالبوا الدولة تسهيل عمليات تأمين المواد الضرورية، وتسديد مستحقاتهم من الدولة اللبنانية والتي تُقدر بألوف المليارات من الليرات. ولكن المسؤولين تصرفوا على طريقة «سمعان بالضيعة»!
نقيب أصحاب المستشفيات أعلن التوقف عن إستقبال المرضى، والإكتفاء لفترة بالحالات الطارئة، ومع ذلك لم يرف جفن لمسؤول يدعي حرصه على تخفيف معاناة هذا الشعب المعذب.
بالأمس أعلنت مستشفى الجامعة الأميركية، كبرى المؤسسات الإستشفائية في البلد، عن صرف ألف من موظفي طاقمها التمريضي، والعاملين في مختلف الأقسام، مما يعني أن ألف عائلة، على الأقل، أصبحت مهددة ليس برزقها ولقمة عيشها وحسب، بل وأيضاً بشبكة الأمان الإجتماعي والصحي التي كانت توفرها المستشفى لهم.
خطورة خطوة مستشفى الجامعة تكمن بأنها فتحت أبواب الصرف أمام إدارات المستشفيات الأخرى، التي كانت تعضّ على جروح هذه الأيام الصعبة، دون أن تتجرأ على صرف أحد من العاملين فيها.
مصير آلاف عائلات العاملين في المستشفيات تتحمل مسؤوليته المنظومة السياسية الفاسدة والعاجزة، وهذه الحكومة المتعثرة في تحقيق أبسط الخطوات الإنقاذية، وهذه السلطة الفاشلة التي أوصلت البلاد إلى الإنهيار والإفلاس!