بيروت - لبنان

اخر الأخبار

26 أيلول 2020 08:15ص ناس تصنع الأمل وحكام يزرعون اليأس!

حجم الخط
كنت أزور صديقي لأشد أزره بعد الجراحة الدقيقة التي أجراها وهو في فترة  النقاهة، فإذا به يُفاجئني بحديثه المفعم بالتفاؤل في نظرته للوضع الداخلي المعقد، وإيمانه العميق بقدرات البلد وأهله الصامدين!

وبادرني بالقول: أتابع مقالاتك ومقابلاتك وأشعر بثناياها بحجم القلق والحزن  الذي يلف كلماتك، خوفاً من مستوى التردي والإنهيار الذي وصلت إليه البلاد بسبب هذه النوعية من الحكام التي تجمع بين الفساد والجهل وقلة الدراية وإنعدام الحنكة، وطغيان عقلية الهيمنة والإستئثار على كل ما عداها من إعتبارات.

  وتابع: ولكن دعني أذُكرك بأن تاريخ لبنان يحوي فصولاً من الأزمات المعقدة،  والتدخلات الخارجية المتشابكة، التي كانت تجد في البنية الهشة للدولة اللبنانية ساحة لتحقيق مخططاتها، وتصفية حساباتها.  لكن في كل مرة كان الوضع اللبناني يتعرض  للإهتزاز، يخرج الوطن من المحنة معافى، ومحافظاً على تماسكه وصيغته ونظامه الديموقراطي، وذلك بقدرة شعبه، وليس بقوة دولته.

  وأردف صاحبنا: لا داعي لإستعراض مسلسل الأزمات والمحن التي مرّ فيها البلد، فأنت قرأت عن بعضها، وعايشت البعض الآخر، ولعله كان الأخطر، من إقدام الإنتداب الفرنسي على إعتقال رئيس جمهورية وحكومة الإستقلال لإجهاض الحركة الإستقلالية، إلى إغتيال رياض الصلح والثورة الشعبية ضد بشارة الخوري، إلى «ثورة ٥٨»، التي عاش بعدها لبنان أحلى سنوات الإستقرار والإزدهار، إلى إنهيار أمبراطورية بنك إنترا وتداعي العديد من المصارف بعده، إلى مرحلة إتفاق الطائف  ما تبعها من حالة عدم إستقرار واضطرابات دفعت بالبلد إلى أتون الحرب الأهلية، إلى الإعتداءات الإسرائيلية المتكررة، والتي وصلت إلى حد إحتلال العاصمة بيروت، إلى إغتيال رفيق الحريري وإنشطار الوضع الداخلي بين معسكري ١٤ و٨ آذار، إلى حرب تموز وما أعقبها من تصدعات بلغت ذروتها في هجمة حرب الله على بيروت.

  وإستطرد الصديق المخضرم وكأنه يقرأ في كتاب: يضُاف إلى كل ذلك فترات الشغور الرئاسي، وتعثر ولادات الحكومات، والإختلال الذي ضرب المعادلة الوطنية تحت ضغط سلاح الحزب، إلى أن بلغ السيل الزُبى في المحنة الراهنة، التي تعاقبت فيها الإنهيارات إلى مستوى غير مسبوق.

  وختم بإسلوب ما قلّ ودلّ: في كل مرة كان البعض يعتقد أن نهاية البلد قد إقتربت، كان الوطن ينهض من بين الركام شامخاً، ويطوي شعبنا صفحة الآلام، ويُقارع أبواب الإزدهار من  جديد! 

ثمة ناس يصنعون الأمل، وحكام يزرعون اليأس!

«نون ...»