بيروت - لبنان

اخر الأخبار

23 شباط 2024 12:25ص نحو دولة جديدة في المملكة السعودية

حجم الخط
ثمة دول تبقى أسيرة جغرافيتها، فيقتصر حضورها ودورها داخل حدودها، مهما بلغت مساحتها، مثل الولايات المتحدة الأميركية، التي بقيت بعيدة عن العالم القديم قروناً من الزمن، قبل أن تخرج من عزلتها، وتخوض الحرب إلى جانب الحلفاء، وتنقذهم من الهيمنة النازية وإجتياحات هتلر للدول الأوروبية.
وثمة دول أخرى تتصدَّر القيادة، وتشع مساهماتها الإنسانية والتاريخية، ويسطع دورها الإيجابي في إقليمها أولاً، وعلى مستوى العالم ثانياً وثالثاً ورابعاً، منذ الفترات الأولى لقيامها، مثل المملكة العربية السعودية التي سرعان ما إحتلت مقعد الصدارة في المجموعة العربية، وأصبحت قبلة المسلمين، وتحوّلت إلى محور أساسي في السياسات الدولية، من خلال موقعها المتقدم في إنتاج النفط. 
عيد تأسيس المملكة العربية السعودية، لا يعني الأشقاء السعوديين وحدهم، بقدر ما أصبح عيداً للعرب والمسلمين، الذين يكنّون كل المحبة والتقدير لمهد الرسالة النبوية، وما تمثله الدولة السعودية من قيم ومبادئ جعلت منها «مملكة الإنسانية»، فضلاً عن المكانة التي وصلت إليها بين الدول الأكثر تقدماً في العالم، ودخولها نادي السبعة الكبار في العالم «. G7»
أرسى الملك المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود قواعد الدولة السعودية الحالية، على أسس ثابتة ومتينة، جعلت من كفتيّ الأمن والعدالة ميزان الإستقرار والإزدهار. وناضل في سبيل تحقيق رؤيته الفذّة في تأسيس دولة موحدة وقوية، جمعت قلب شبه الجزيرة العربية مع أطرافها، وأنهت عهوداً من التشرذم والتناحر بين القبائل المختلفة، وألّف بين قلوب أعداء الأمس، ليصبحوا جميعاً مواطنين متساوين في دولة الحق والقانون. 
حمل الملوك الأبناء الأمانة، وساروا على خطى الوالد المؤسس، فحققت المملكة قفزات كبيرة على طريق التقدم والتطور، دون أن تتخلى عن ثوابتها الإنسانية والعقيدية، كما حافظت على تراثها الغني رغم انخراطها في ورشة الحداثة.
ويمكن للخبراء في الشؤون السعودية أن يُلاحظوا بسهولة أن المملكة تمرُّ في عهد الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، في مرحلة ولادة دولة جديدة، بكل مناحي الحياة الرسمية والإقتصادية  والإجتماعية والثقافية، من خلال رؤية ٢٠٣٠، التي طرحها الأمير محمد بن سلمان، للنهوض بالبلاد على مختلف المستويات، وتحديث القوانين والأنظمة المرعية الإجراء، لتسريع خطوات التطوير، وتعزيز بناء المواطن السعودي، وتحفيزه على العمل والإنتاج، وتشجيع الطاقات الشبابية على التميّز والإبتكار، والإنفتاح على مجالات الأبحاث العلمية، خاصة الفضائية. وإعطاء الفرصة للمرأة، النصف الثاني في المجتمع، لتساهم في ورشة الإنماء والتحديث، بعد تحريرها من القيود البالية، فكان أن تم إرسال أول رائدة فضاء عربية وإسلامية إلى المدار القمري، وهي الفتاة السعودية ربانة برناوي، إلى جانب الشاب علي القرني،وهو ثاني مواطن سعودي يشارك في رحلات الفضاء العلمية. 
وأصبحت المملكة مكان إهتمام القيادات الدولية، حيث إستضافت على أراضيها مجموعة من القمم العالمية والإقليمية، شارك في بعضها الرئيس الأميركي جو بايدن، والروسي فلاديمير بوتين، والصيني شي جين بينغ، والفرنسي مانويل ماكرون، والمستشارة الألمانية السابقة إنغري ميركل، والعديد من الرؤساء الآسيويين والإفريقيين ورؤساء المنظمات الدولية. وتعتبر السعودية اليوم صاحبة الدور الأبرز في منظمة «أوبك +» التي تحدد دورياً أسعار النفط في العالم، متخطية بذلك كل العوامل التي كانت تدير لعبة الأسعار وفق مصالح الدول المستهلكة. 
 ويعتبر مشروع «نيوم» العملاق والمدن المحيطة به من أضخم المشاريع العمرانية في العالم، ويعتمد على أحدث التقنيات الذكية في إدارة المدن العصرية، ويتعامل مع وسائل الطاقة الجديدة، بمعدل صفر تلوث في الإنتاج. 
غير أن رؤية ٢٠٣٠ لا تقتصر على النواحي الإقتصادية  والإنمائية، بل تشمل مشروعاً إقليمياً طموحاً، على مساحة الشرق الأوسط الجديد، الذي إقترح الأمير محمد أن يضم إلى جانب الدول العربية، كُلاًّ من إيران وتركيا، ليحاكي تجربة الإتحاد الأوروبي في التعاون الإقتصادي والتجاري والمالي بين دول الإقليم، وتحقيق الإستقرار والإزدهار لشعوب المنطقة.  
ولكن مشروع الشرق الأوسط الجديد دونه حالة عدم الإستقرار المزمنة، لذلك أطلق ولي العهد السعودي نظرية «تصفير المشاكل والنزاعات» بين دول الإقليم، والعمل على تطبيق مقتضياتها بالسرعة الممكنة، حيث حقق التقارب مع الجارة الإيرانية، من خلال إتفاق بكين بين البلدين في آذار من العام الفائت، وتجاوب مع مساعي وقف الحرب في اليمن، وعالج ملفات خلافية عديدة مع أشقاء وأصدقاء، ولكنه تحفَّظ، وقبل الحرب على غزة، على أية خطوة تطبيع مع الدولة العبرية قبل أن ينال الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة بإنشاء الدولة الفلسطينية المستقلة. وجاءت تداعيات حرب غزة لتؤكد صوابية الموقف السعودي بربط خطوات التطبيع بالدولة الفلسطينية، إستناداً للمبادرة السعودية في قمة بيروت العربية عام ٢٠٠٢. 
يوم تأسيس المملكة العربية السعودية كان بمثابة فجر جديد في دنيا العرب والعالم الإسلامي. ومسيرة النهوض الراهنة ستؤكد ولادة الدولة السعودية الحديثة، رغم كل الضغوط التي يتعرض لها الأمير الشاب محمد بن سلمان. ولعل هذا الموضوع يحتاج إلى حديث آخر.