بيروت - لبنان

اخر الأخبار

5 آب 2019 12:00ص نموذج لرجال الغد لا تسأل من هو..؟

حجم الخط
خرج من منزل في شارع أراكس في برج حمود لا تزيد مساحته عن ثلاثين متراً. والده كان بائع خضار متجوِّل يجر عربته طوال ساعات النهار. يعود باكراً إلى بيته مع غروب الشمس شتاءً،  وتمتد ساعات كدحه في الصيف إلى موعد الغروب.

انشغال الوالد الكادح واللاهث وراء لقمة عيشه بعرق جبينه، لم تشغله عن أجواء التيارات الوطنية والقومية التي كانت ناشطة في تلك الفترة، والتي كان يقودها الرئيس جمال عبد الناصر، حيث كان يلقن ابنه الذي يتابع دراسته في المدرسة الرسمية، مبادئ العروبة النقية،  إلى تثقيفه بتعاليم الدين الحنيف.

جاءت الحرب القذرة، واقتلعت الناس من مناطق العيش المشترك،  فاضطر رب العائلة للسير مع موجة التهجير هرباً من الوحش الطائفي الذي كشر عن أنيابه بضراوة في ذروة اشتعال نيران الفتنة اللعينة.

وكانت مشاهد الحرب والمجازر التي رافقتها أولى صدمات الشاب وهو في بدايات وعيه السياسي والوطني. ودفعه تأثره بالمشهد الدموي إلى الانضمام مع شباب الحيّ الجديد في الشق الغربي من العاصمة، للدفاع عن العرض والعائلة والوطن،  وإفشال المشروع الطائفي، كما قالوا له يومذاك.

انتهت الحرب، وطوى الشاب مرحلة حرجة من حياته، وراح يستعد للانتقال إلى المرحلة الجامعية في رحلته الدراسية. وكان من الطبيعي أن يكون على مقاعد الجامعة اللبنانية، لأن لا قدرة لأهله على تأمين أقساط صالجامعات الأخرى. وكان أن جدّ ودرس حتى تخرَّج من الجامعة الوطنية حاملا رتبة الدكتوراه.

في فترة الدراسة انضم إلى إحدى الحركات الحزبية السياسية،  وساعده إخلاصه وتفانيه في خدمة مجتمعه، من المؤيدين والمناصرين،  وكل صاحب حاجة من أهل المنطقة المسؤول عنها، على بروزه في الصفوف الأمامية، حيث وقف رفاقه إلى جانبه عندما صدر الأمر الحزبي بترشيحه في الانتخابات الأخيرة.

النائب الشاب لم ينسَ مشاهد طفولته الأولى في برج حمود،  ولم يتنكر لتضحيات والده الكادح لتأمين لقمة العيش بكرامة لعائلته،  وهو اليوم يمثل صوت الفقراء والمحرومين والمهمشين في مجلس النواب، ويصرخ بكل شجاعة في وجوه الفاسدين، وناهبي ثروات البلاد وحقوق العباد، ويرفض الدخول في صفقاتهم وسمسراتهم رغم كل الإغراءات والمغريات!

فهل يكون نموذجاً لرجال الغد؟

لا تسأل من هو... المهم إنه ما زال في البلد شباب يؤمنون بالوطن،  وبأن هذا الشعب الصابر يستحق الحياة!