المحامي التونسي محمد بوعزيزي، بائع الخضار الذي أحرق نفسه في الرابع من كانون الثاني ٢٠١١، أشعل نيران ثورة شعبية عارمة، أسقطت أحد أعتى الأنظمة البوليسية في العالم العربي، ونقلت تونس الخضراء إلى عهد جديد من الديموقراطية، رغم كل الإرهاصات التي ما زال يعاني منها النظام الجديد.
جورج زريق، إبن الكورة الخضراء، ووالد لطفلين، صبي وبنت، لم يتورّع عن إحراق نفسه بتنكة بنزين، بعدما هزمه الفقر في معركة الحياة، وغلبه اليأس من إمكانية تعليم طفليه، في دولة سخرت قدراتها لحيتان الفساد، وتحوّل السياسيون فيها إلى رجال صفقات لا تقل أرقامها عن مئات الملايين!
لم يكن طموح جورج أن ينقل طفلته إلى مدرسة الأغنياء والقادرين، ولم يفكر يوماً بأن يسجلها في أوتوكار المدرسة، أو يخصص لها سيارة لتوصلها من البيت إلى المدرسة، حاول أن ينقلها من مدرسة خاصة تابعة للكنيسة، ويُفترض أنها شبه مجانية، وتُراعي ظروف الأهل الفقراء، إلى مدرسة رسمية مجانية، بعدما عجز أكثر من مرة عن تدبر الأقساط، وعندما طلب إفادة، نعم إفادة، لنقل ابنته للمدرسة الرسمية، جوبه بطلب تسديد المستحقات من الأقساط، التي لو توافرت معه أصلاً لما فكر بنقل ابنته من المدرسة التي نشأت فيها، ويُبعدها عن رفاقها!
جورج زريق سقط ضحية هذه الدولة الفاشلة، وكان فريسة ذئاب المال الحرام، وأحد شهداء غياب الضمير الأخلاقي والوطني في التعاطي مع الفقراء ومحدودي الدخل، الذين يكسبون قروش لقمة عيشهم بالعرق والدم، وأهل الحل والربط يكدّسون الثروات بملايين الصفقات والسمسرات.
جورج زريق، بوعزيزي لبنان، أحرق جسده، ليجسّد لوحة سوداء من المآسي التي يعيشها ثلث اللبنانيين تحت خط الفقر!
فهل مَن يعرف.. ويتحرّك، قبل أن يجتاح فيضان الفقر الأكثرية الساحقة من اللبنانيين، ويفجّر براكين الحقد والغضب.. والفوضى؟