يستقبل الأطفال إجازاتهم الصيفية بشغف كبير، ولا شك أن الإجازة الصيفية هذا العام مختلفة عن السنوات الماضية بسبب فيروس كورونا والحجر المنزلي الذي يمنع الأطفال من الخروج وممارسة الهويات الرياضية أو الانتساب للدورات الدينية الصيفية، كل ذلك يُشكّل همّ وعبء على الأسرة وكيف يقضي الأطفال أوقاتهم حيث تُعد مشكلة إستثمار وقت الفراغ من أهم المشكلات التي يُعاني منها الأطفال وتزداد هذه المشكلة تفاقماً في ظل عدم وجود خطط أو برامج متاحة أمام هذه الشرائح طيلة أيام العطلة الصيفية، وهنا نتساءل في ظل أزمة كورونا كيف نستثمر أوقات الأولاد لكي تكون الإجازة نافعة ومهمة؟.. هذا ما سنطرحه في تحقيقنا التالي:
الأتات
وفي هذا تقول الاختصاصية التربوية - النفسية جومانا الأتات، تصبح عملية شغل أوقات فراغ الأطفال في فصل الصيف وموسم الاجازات وخصوصاً في أزمة الكورونا مسؤولية أسرية بالدرجة الأولى، لأن الأولاد يتمتعون بطاقة فائضة، ويحتاجون إلى أن يفرغوا هذا الطاقة بشكل إيجابي، لذا يُمكن للأبوين مناقشة أبنائهم في المقترحات والامكانيات المادية والمعنوية لهذه العطلة فيخرجون بقرار يرضي جميع الأطراف.
لذلك، فإن اللعب يساهم في استغلال هذه الطاقة من خلال أحداث تغييرات مرغوبة في البناء الجسمي حتى لو كان هذا اللعب داخل المنزل، ويساعد أيضاً على التكوين العقلي والنفسي للطفل وعلى الأهل توفير الألعاب التي تلائم المرحلة العمرية للطفل ولا تتعارض مع الثقافة التي يراد للطفل أن يتربّى عليها، من خلال تحديد الألعاب التي تعمل على تنمية جوانب شخصية الطفل الجسمية والعقلية والمهارية والاجتماعية.
وتلفت إلى الأهمية التربوية والنفسية للعب متعددة وهي وسيلة من وسائل اكتساب السلوك القوّيم، وسيلة من وسائل تطوير السلوك ووسيلة من وسائل تحرير الطفل من التوتر النفسي وتعليم الطفل القوانين والقواعد الأخلاقية والدينية والاجتماعية، كما أن اللعب وسيلة من وسائل الاعداد للحياة كون اللعب التمثيلي يُمكّن الطفل من الاستكشاف حيث يكتسب قواعد السلوك من أدوار الكبار التي يمثلها.
وتختتم قائلة: حتى يتسنّى لكل عائلة وأطفالها قضاء وقت ممتع لا بدّ من تنظيم جدول زمني يُدرك فيه الأبوين والأطفال كيفية قضاء وقتهم، وضع هدف من قبل الوالدين للأطفال، والعطلة الصيفية وطرق استثمارها بما هو ممتع ومفيد بالوقت ذاته، ولا ننسى التقيّد بالارشادات الصحية التي تصدرها وزارة الصحة من خلال وضع الكمامة في حال قرّر الأهل الخروج بنزهة في السيّارة، حفاظاً على سلامتهم.
الحوت
أما الشيخ د. إبراهيم الحوت فقال: ها نحن نستقبل العطلة الصيفية، حيث يرتاح الطلاب من عناء الدراسة، وغالباً ما يأخذ الأهل إجازة من أعمالهم تتوافَق مع إجازة أولادهم لقضاء وقت ممتع مع العائلة والأصدقاء.
فاحسنوا استثمار وقتكم بما يرضي الله ويأتيكم بالمنفعة. فالوقت سيف، إن لم تقطعه قطعك. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل وهو يعظه: «اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك, وصحتك قبل سقمك, وغناك قبل فقرك, وفراغك قبل شغلك, وحياتك قبل موتك».
ولكي لا تتحوّل الإجازة الصيفيّة إلى مضيعة للوقت، يمكن للأهالي تشجيع أبنائهم على استثمارها بطرق تنمّي مهاراتهم وقدراتهم وتنفعهم وتكون مسليّة في الوقت عينه، كانضمامهم إلى الفرق الكشفيّة الّتي تنمّي ثقافتهم وتعلّمهم روح التعاون فيما بينهم.
إن نعمة الوقت من أعظم نِعم الله على الإنسان، التى يسأله عنها يوم القيامة، فعن معاذ بن جبل - رضى الله عنه: أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تزول قدما عبد يوم القيامة، حتى يُسأل عن أربع خصال: عن عمره: فيمَ أفناه؟ وعن شبابه: فيم أبلاه؟ وعن مالِه: من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ وعَنْ عِلْمِه: ماذا عمل فيه؟». أخرجه التِّرمذي.
استغلال الوقت بما فيه من منفعة وتحفيز الأبناء على قراءة كتب وقصص محتواها مفيد والتي تهم الشخص في دنياه وآخرته، فهناك الكتب العلمية، وهناك الكتب الثقافية التي تزيد من ثقافة الإنسان وتنمّي مواهبه. ويقول ابن الجوزي: «ينبغي للإنسان أن يعرف شرف زمانه وقدر وقته، فلا يضيِّع منه لحظة في غير قربة، ويقدّم فيه الأفضل فالأفضل من القول والعمل، ولتكن نيّته في الخير قائمة من غير فتور بما لا يعجز عنه البدن من العمل».
كما يجب أن نحرص على ممارسة الرياضة بانتظام، وتعلّم أشياء جديدة كالحرف اليدوية. إضافة الى ذلك، وفي فترة العطلة ممكن أن تكون مفيدة من خلال تعلّم صنعة أو الانغماس بعمل ما ممكن أن يقوّي الطاقات والقدرات الذهنية والجسدية ويزيد الحث بالمسؤولية في نفوس الشباب. ويقول ابن مسعود رضي الله عنه: «ما ندمت على شيء كندمي على يوم غربت شمسه نقص فيه أجلي، ولم يزدد فيه عملي».
فلا بد من تنظيم الوَقت والتخطيط له، وتحديد الأولويات، ومحاسبة النّفس على التقصير. فلقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بحسن استثمار الوقت وعدم تضييعه فيما لا يفيد فقال صلى الله عليه وسلم: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ».
أما في وضعنا الحالي، وخاصة مع جائحة فيروس كورونا وفرض الحجر الصحي، شاءت الظروف أن تكون قاسية على الطلاب هذه السنة فاضطروا إلى الجلوس في المنزل متأمّلين خيرا بالعطلة الصيفية على أن تكون حافلة بالنشاطات الترفيهية والخروج من البيوت إلى الطبيعة ولكن شاءت الأقدار إلى الآن بأنه لم يتسنّ لهم الفرصة بذلك، فتغيّرت المخططات وتعدّلت المشاريع الصيفية.
فمن المهم تحديد وتخطيط لأوقات الفراغ. يمكن قضاء الإِجَازَةُ في تحفيز صِلَةُ الأَرْحَامِ والاقتراب من الأَقَارِبِ وَالأَهْلِ ولو عبر التواصل الاجتماعي، فُهُوَ عَمَلٌ صَالِحٌ فِي حَدِّ ذَاتِهِ.
وَمِنْ ذَلِكَ: الاشْتِرَاكُ فِي الدَّوْرَاتِ الْعِلْمِيَّةِ عن بُعد، سَوَاءٌ فِي حِفْظِ الْقُرْآنِ والأحاديث الشريفة، أَوْ الدَّوْرَاتِ التِي تُشْرَحُ فِيهَا الْكُتُبُ الْعِلْمِيَّةُ.
واختتم: صحيح ان الاجازة الهدف منها تغيير جو العمل والتسلية لكن ربما طول وقت الإجازة قد يجعل وقت الفراغ كبيرا وربما تضيّع أوقاتا كثيرة دون فائدة تذكر أو عمل مفيد. انصحكم إخوتي الأعزاء ومن الآن وضع برنامج لاستغلال الوقت ولنخرج من هذه الأيام بما يفيدنا ويرضي ربنا. فاختاروا لأنفسكم ما يعود عليكم من وقتكم؛ فإنه عائدٌ عليكم لا مَحالة؛ لهذا يقال للسُّعداء في الجنة: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة: 24].