بيروت - لبنان

اخر الأخبار

2 حزيران 2023 12:00ص ألم تملّوا من الكلام... وتشتاقوا إلى العمل؟!

حجم الخط
اسمحوا لنا أن نتوجه - وبجدّية كبيرة - بدعوة تحذيرية لكل أفراد هذا المجتمع اللبناني، مواطنين وحكّاما ومسؤولين ودعاة ورجال دين، فنقول إن أزمتنا الحقيقة أيها السادة هي أزمة أخلاق..
لقد سبق وقلنا هذا الكلام مرارا، ولكن الأشهر التي خلت أكّدت صدق الكلام، بما حملته من جرائم في مختلف المناطق اللبنانية حتى أصبحت جرائم القتل والسرقة والاعتداء أمرا عاديا وخبرا روتينيا..؟!
وبالتالي لا بد لنا أن نعيد القول أننا إن لم نعترف «بأمراضنا الأخلاقية» وبدأنا بالعلاج الفوري فإن المجتمع إلى انهيار... ولعله بدأ..؟!
بألف نعم نقول.. إن غياب الأخلاق كممارسة إيمانية عملية تنطلق من وعي ديني، حتى تصبح نظاما اجتماعيا متعارفا عليه ومتفقا على أهميته.. هذا الغياب هو العدو الأول للمجتمع.
وراقبوا معي ما يحدث في الشارع وفي البيوت وفي المدارس والجامعات..
وانظروا إلى كثير مما يعرض في شاشات الإعلام وإلى مضمون البرامج والإعلانات..
سنكتشف بوضح كبير أن كل ما سبق يدور بعيدا عن منظومة الأخلاق.
وحين نقرأ قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ.. أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقاً» ندرك تماما أبعاد ودلالات هذا الأمر والخطورة التي تترتب على ابتعاد الناس عن الأخلاق والعمل بها..؟!
فماذا ننتظر لإعلان خطة وطنية شاملة تعيد للأخلاق مكانتها في المجتمع على كل المستويات..؟!

تغيير بالعمل لا بالقول

ورجاء.. لا يقولنّ أحدٌ أن بيانات الاستنكار والتنديد تصدر دوما من هنا أو هناك..
أو أن فلانا وعلّانا قد أعلنوا رفضهم وشجبهم لهكذا أفعال في بيانات رسمية..
فلقد غرقنا في أمواج التنديد والشجب والاستنكار حتى غاب عن عقلنا فقه البدائل الذي أرسى قواعده ديننا الحنيف..
هذا الفقه الراقي والحضاري الذي دعانا إلى تقليل الكلام والبدء الفوري بالعمل الصحيح والواضح لتغيير الواقع المخزي إلى الأفضل والأحسن..
فقه نرى معالمه صريحة (على السبيل المثال لا الحصر) في قصة الرجل الذي أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم يخبره عن فقر حاله وسوء أوضاعه فخاطبه: (اذْهَبْ فَاحْتَطِبْ وَلا أَرَاكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْماً فَجَعَلَ يَحْتَطِبُ وَيَبِيعُ فَجَاءَ وَقَدْ أَصَابَ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ فَقَالَ اشْتَرِ بِبَعْضِهَا طَعَاماً وَبِبَعْضِهَا ثَوْباً ثُمَّ قَالَ: هَذَا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَجِيءَ وَالْمَسْأَلَةُ نُكْتَةٌ فِي وَجْهِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لا تَصْلُحُ إِلا لِذِي فَقْرٍ مُدْقِعٍ أَوْ لِذِي غُرْمٍ مُفْظِعٍ أَوْ دَمٍ مُوجِعٍ)، لم «يحوقل» ولم «يحسبن» ولم يردد على مسامع هذا الرجل كلام الاستنكار و«الوعود اللسانية»... وإنما قام صلى الله عليه وسلم بتأمين الأساس له ثم أمره بالسعي والعمل لتأمين الكسب الحلال وضمان كرامة العيش..؟!
إننا في زمن أيها السادة لا ينفع فيه الكلام وإن كان كثيرا...!!
ولا جدوى فيه من عبارات الشجب والتنديد وإعلان حالات القلق المستمر وأن قدّمت بأجمل الألفاظ وأبلغ الصياغات...!!
نحن نحتاج إلى العمل.. وإلى التخطيط.. وإلى السعي.. وإلى دراسة الواقع.. وإلى التغيير.. وإلى ترجمة الإيمان إلى سلوكيات حضارية.. وإلى زرع أرضية خصبة تؤمّن للناس - وخاصة جيل الشباب - العيش بكرامة وكبرياء من خلال السير في طريق الجهاد الحياتي الذي يغرس في نفوسهم ثقافة العمل البنّاء.. لا مفسدة الكلام الأجوف الذي لا يغني ولا يسمن من جوع..؟!

استقالة الدعاة

وهنا اسمحوا لي بكلمة لا بد أن تقال... ولا أريد أن أبدو متشائما ولا سوداوي النظرة، ولكن دعونا نتحدث بقليل من الصدق - الذي وبكل أسف أصبح من أبزر أعدائنا - فنسأل أنفسنا قبل أن نسأل غيرنا..
لماذا أعلنا كدعاة ومرشدين استقالتنا العلنية حتى أصبحنا بلا دور وبلا هدف وبلا أثر في بلد يعاني من ظمأ دعوي وأخلاقي كبير..؟!
لا أقصد بالاستقالة التوقف عن القيام بالأمور الروتينية، ولكن أعني استقالة «التأثير البنّاء» عن كل أمر من أمور المجتمع حتى أصبح كريشة تميل بها الرياح كيفما شاءت كلما هبّت هنا أو هناك..؟!
لقد قدمنا استقالتنا من العمل... الذي يـُـنتج إيجابية واضحة... 
واستقالتنا من التغيير... نحو الأفضل والأحسن والأقوم...
واستقالتنا من أن نكون أصحاب بصمة إيجابية ومؤثرة...
وأيضا.. استقالتنا من منصب القيادة الحضارية للمجتمع ثم الرضى والخنوع بأن نكون تابعين متأثرين... لا قادة مؤثرين...؟!
نعم.. لقد أعلنّا استقالتنا من كل الميادين ثم أصبحنا كالغرباء - ويا للعجب - في بيوتنا وشوارعنا ومناطقنا وبلادنا، نتسوّل أبسط حقوقنا بعد أن تنازلنا عنها طوعا...؟!
والخطير في الأمر أننا مع هذه الاستقالة استقلنا أيضا من تحقيق مقاصد ديننا، فخارت قوانا، وتذبذبت مكامن التميز عندنا، وصرنا «غثاء كغثاء السيل»..؟!
بل إن بعضهم قد «سار مع التيار» و«عام على عوم السوق» فصار شريكا في إنتاج الفساد..
يسيء إلى الدين ولا يحسن...
يشوّه الصورة ولا يجمّل...
يبعد الناس ولا يقرّب...
ينفر ولا يرغّب...
ومع مرور الزمن وتأصّل «هذه الاستقالة» في نفوسنا، أدمنا الشكوى والكلام وخاصمنا كل مظاهر وأسباب العمل..؟!
لا نملك إلّا سلاحنا (الثرثري) الذي نردده ليل صباح، فنبكي على الأطلال حتى يمرّ العمر كلاما في كلام..؟!
ولكن من الذي بادر وعمل وغير وأًصلح... اللهم إلّا من رحم ربي..؟!
إننا أيها السادة بحاجة إلى العمل.. ثم العمل.. ثم العمل.. وأي كلام غير هذا فهو مزيد من الثرثرة المرفوضة...؟!
ولذلك قال الله تعالى {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}.

bahaasalam@yahoo.com