بيروت - لبنان

اخر الأخبار

25 أيلول 2018 12:03ص أنا المخدوع وأعترف؟!

حجم الخط
أنا الموقع أدناه .. 
أكتب إليكم جميعا لأقرّ واعترف أني قد تعرضت لعملية خداع دامت ثلاثين عاما..
خداع فكري وقيمي وتربوي وتعليمي ومفاهيمي بدأ منذ نعومة أظافري، وتواطأ على تنفيذه بإحكام المدارس ومنابر المساجد ووسائل الإعلام والمجتمع وكثير من الأعضاء المتآمرين.
فقد خدعت لأول مرة ... حين تجندت فرق محترفة من المدرسين والمدرسات في طفولتي لتعليمي بأسلوب جاف يقوم على الحشو ولا شيء سوى الحشو، حتى كرهت كثيرا من مواد العلم، ثم لاحقا وبعد تخرجي من المدرسة أحببتها لأني قرأتها بفكر مختلف..؟!
وخدعت في مراهقتي حين زُرع عنوة في منظومتي الفكرية وبرداء ديني، أن كل زعيم ومسؤول ومرجعية وشيخ وحتى كل إمام مسجد، هو في مكان فوق البشر ولا يمكن لأحد أن ينتقده أو يعارضه، وكل من يخالف أقوالهم أو تصرفاتهم إما عميل وإما منافق وإما.. هو في أولى مراتب الكفر..؟!
واستمرت جريمة الخداع حتى وصلت إلى دراستي الجامعية، حيث سعى الكثيرون لتصوير كل قديم وكأنه مقدس وأن مجرد مناقشته رجس من عمل الشيطان، وكانت النتيجة مناهج جوفاء لا تقدم إلا المزيد من التراجع والتخلف والتقاتل، ثم خريجين سطحيين لا يقدمون للامة شيئا.
وخدعت .. حين نشر بعض «الأبالسة» من حولي مبدأ تقديس الأشخاص ولو على حساب النص الديني، ومبدأ تقدير الشارح على حساب المشروح، وطبعا مبدأ مراعاة العادات والتقاليد على حساب الدين نفسه..
كما خدعت حين حاولوا ملء فكري بفكرة الالتزام الشكلي والتقيد بالشكل الخارجي دون أي مراعاة للمضمون الذي هو الأساس، فأصبحت اللحية أهم من العلم، والثوب القصير أهم من التقوى، واستخدام السواك أهم من حفظ اللسان، والتحدث بالفصحى أهم من التحدث بالحق..!؟
وخدعت حين صوروا لي في الموروث الفكري والثقافي والنفسي، أن المرأة في الاسلام سبب لكل فساد ومصدر لكل رذيلة ومستقر لكل فتنة، ولذا فلها الضرب إن لم تطع، ولها السجن في البيت، ولها قسوة المعاملة، ولها كل ما ينفرها من دينها..؟!
وخدعت أيضا حين استنفر المعنيون كل طاقاتهم، ليعلمونا كيف نصنع الطغاة والجبابرة، وكيف نحيطهم بهالة كبيرة، بينما لم يحركوا ساكناً ولم يبذلوا جهداً ليغرسوا فينا كيف نصنع كرامتنا وكرامة أمتنا حتى نكون مؤمنين أحراراً..؟!
وخدعت.. بألقاب علمونا أنها ضرورية، حتى نشأت وأنا أسمعها كل يوم، العلامة الحبر، والفهامة البحر، وعميد الدعاة، والقطب المبارك، وصاحب الكرامة، وصاحب الخطوة، والولي و...، ثم رحت أبحث عن آثارها فلم أجد سوى تجييش الناس وتكوين الاتباع والازلام وتكثير الانتفاع..؟!
وخدعت للمرة الألف ..حين ترعرعت بين أسماء لا تتحدث إلا عن وحدة الأمة وأفرادها، ثم اكتشفت أن الأمة في واقعها ليس سوى مجموعات من البشر المتناحرين والمتقاتلين والمتعاركين ، الذين يعيشون في ضنك من العيش وسوء من الأحوال وجهل بالدين، فيفسّق بعضهم بعضا ويكفرّ بعضهم بعضا ... خدمة لهذا المتحدث عن وحدة الأمة..؟!
أما الإعلام وفحيحه... فحدث ولا حرج، فخداعه أنه جعل من كلّ حقيقة تنفع الناس سلعة يتاجر بها هنا وهناك لتحقيق أعلى نسبة من الأرباح.. وإن لم يقدر اخترع كذبة وحولها إلى حقيقة ثم راح يبيع ويشتري.. والعجيب أننا نصدق وننساق..؟!
وخدعت .. حين تعارف المجتمع بمختلف فعالياته على إلهائنا بأمور ثانوية وفرعية، وصوروها لنا كأولويات ضرورية، فرحنا لا نتحدث إلا عنها، ولا نتناقش إلا حولها، بينما نحن هاجرون لكل أمر نافع، وتاركون لكل مطلوب منا، حتى اختلفنا على ما هو مباح فيه الاختلاف، واتفقنا على كلّ منكر وفساد..؟!
إن الحقيقة أيها السادة التي يحاول الكل أن يهرب منها هي أننا خدعنا لسنوات كثيرة وكثيرة..
وأن كثيرا منا يستمتع بهذا الخداع ويستفيد منه..
وأن الخداع مستمر في محاولة لتجنيد الكثير من الناس..
نعم... أنا الموقع أدناه أكتب إليكم لأقرّ وأعترف أمامكم...
أني لن أكون شريكاً في عملية الخداع لغيري، ولن أكون جنديا في جيش النفاق والتزلف والمداهنة الذي تجاوز عدده مئات الملايين في بلادنا.. 
أكتب إليكم لاعترف .. أني سأسعى بكل جهد لارتكاب «جريمة» تعليم الناس وتوعيتهم وإخراجهم من سجون الجهل المتوارث منذ أجيال تحت مسميات فاسدة زخرفت بشعارات دينية... 
اللهم بلغت .. اللهم فاشهد.