بيروت - لبنان

اخر الأخبار

13 آب 2020 12:00ص أي أمن في بلد... طعامه وشرابه الفساد..؟!

حجم الخط
لا يمكن لأي عاقل في بلادنا أن ينكر أن الفساد قد ساد وانتشر وسيطر سيطرة كبيرة على أحداث وسلوكيات وأفعال كل ما فيه.

فهذا المجتمع الذي هو في حقيقة الأمر تعبير حي وترجمة عملية لما تختزنه البيوت والأسر من قيم ومبادئ... أصبح أشبه ما يكون بسوق لما هبّ ودبّ من فساد على كل الأصعدة ولا سبيل لأحدنا لاتقاء هذه الشرور سوى الانطواء في المنزل وهجر المجتمع...؟!

فالأمر يحتاج إلى دراسة جديّة وسريعة ترصد التغييرات الجذرية التي أصابت المجتمع في صميم أخلاقه فجعلته ينسلخ من نفسه ليتحوّل إلى ذئب كبير يبحث عن فريسته في أي وقت ليأخذ منها ما يريد كيفما يريد وفي الوقت الذي يريد...؟!

والأهم أن نسعى السعي الواعي والعلمي لإزالة أسباب هذا الخلل حتى لا نكون كمن يعالج آثار المرض ويترك المرض حرا...؟!

وهنا.. لا بد أن يعلم الجميع بأن الله تعالى حين قال في محكم تنزيله {لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف}، فإنما أراد أن يذكّر عباده بنعمة الأمن التي لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال طاعته سبحانه وتعالى...

فالأمن (بمعناه السياسي والاجتماعي والاقتصادي والفكري والصحي والغذائي والتربوي..) هو ضمان استمرار سيطرة الأخلاق على المجتمع وعلى الأفراد وعلى ما يصدر فيه من قرارات، وبغيابه تفسد كل الأمور وتضيع كل الحقوق ويستباح كل محرّم..

فبالأمن... يثمر التعليم في نفوس الأبناء فيؤدّي المعلم دوره كما ينبغي ويخرج إلينا جيل واعٍ يطمح في التطوّر والتقدّم..

وبالأمن.. يشعر الموظف باستقراره النفسي فيتقن أذاء العمل ولا يهمل ولا يرتشي ولا يسرق..

وبالأمن... نرى شبابنا محبّا لوطنه ومنتميا إليه، فيسارع إلى تكوين الأسر ويكدّ ويتعب في سبيل الارتقاء بها..

وبالأمن... يشعر كلّ مواطن بكرامته وقيمته ودوره فيتنافس مع أقرانه للتفوّق والتميّز والتقدّم...

وكفى بقول النبي عليه الصلاة والسلام (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِناً فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا) خير دليل على ما نقول...

فالإنسان الذي يرى في بلده ومجتمعه الملاذ من كل خطر... والعلاج من كل مرض... والوقاية من الجوع والعوز... سيشعر أنه ملك الدنيا وإن كان أفقر الخلق...

أما حين يرى المواطن أن الواسطة و(المحسوبية) هي سلاح العصر...

وحين يعايش واقعا لا يعترف إلا (بالشللية) و(تبادل المصالح)...

وحين يعاني أشدّ المعاناة لا لسبب معيّن... سوى أنه (آدمي)...

وحين يحرق بنيران (المذهبية) والطائفية والتقوقع المناطقي والعشائري...

وحين يرى بأم عينه أن الفساد هو سيد الموقف في كل مناحي الحياة من حوله.. 

حينئذ.. سيفقد الأمن بكل أسبابه ونتائجه...

والأسوأ... أن هذا المواطن حين يصاب بهذه الخيبات المتتالية يلجأ إلى مَن مِن المفروض أن يكونوا حماة القيم وجنود الحق... فيرى أنهم أول المستفيدين والمتعاملين مع هذا (الإنكسار الأخلاقي) وأنهم أول من سكت وغض البصر بل وروّج... فتكون هنا الصدمة الكبرى.. فيكفر بهم وبكلامهم وبشعاراتهم وبالوطن كله.. ويخرج هائما على وجهه يبحث عن وطن بديل... ما زال فيه الإنسان إنسانا...؟!

إن المجتمع اللبناني اليوم.. إما أن ينتفض لإستعادة بلاده.. وأرضه.. وتاريخه وحاضره ومستقبله.. ليشعر بالأمن بكل معانيه... وإما فنحن (قاب قوسين أو أدنى) من سيطرة جيل لا يعرف عن الوطنية والأخلاق والقيم والفضائل سوى أنها مجموعة من الأساطير والخرافات التي (ما بتطعمي خبز)؟! بينما عكسها يملء البطون ويمنح الاستقرار و(ينمّي الحسابات) وإن كان الثمن فساد الدين والدنيا، وأيضا خسارة الدنيا والآخرة معا...؟!

bahaasalam@yahoo.com