بيروت - لبنان

اخر الأخبار

15 أيار 2018 12:14ص إستقبال شهر رمضان المبارك....

حجم الخط
الشيخ حسن محمود العرب*
قال الله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون} «سورة البقرة 183»، تمر الأيام وما أسرعها، وتمضي الشهور وما أعجلها، وفي هذه الأيام يطل علينا شهر عظيم وموسم كريم، ويفدُ علينا وافد حبيب، وضيف عزيز، ألا وهو شهر رمضان المبارك، وكان  صلى الله عليه وسلم  إذا اقترب شهر رمضان جمع أصحابه وذكرهم بفضائل المنان قائلاً: «أتاكم رمضان شهر مبارك، فرض الله عز وجل عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب السماء، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم» (النسائي: 2106).
 ونحن على أعتاب شهر تولى الله تعالى الجزاء فيه بنفسه، فالجزاء جزاؤه، والعطاء عطاؤه، فقال جل وعلا: «كل عمل ابن آدم له إلا الصيام، فأنه لي، وأنا أجزي به» (متفق عليه)، فجدير بنا أن نستقبله بالذكر والشكر على ما خص الله تعالى به هذا الشهر بنزول كلامه فيه، قال سبحانه: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان} «البقرة: 185»، فنكثر فيه من تلاوة القرآن الكريم، ونعمر قلوبنا بتدبره، ونطيب أسماعنا بسماعه وتفسيره، فقد كان الصحابة رضي الله عنهم يعكفون على كتاب ربهم، تلهج ألسنتهم بذكر خالقهم، يبتغون الأجر ومغفرة الذنوب، ويرجون النقاء وطهارة القلوب، قال تعالى: {يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين} «يونس: 57»، فالقرآن ظهير لرمضان بالشفاعة والغفران، قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم : «الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه. ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه. قال: فيشفعان». كما أنه حري بنا أن نغتنم فرصة القرب من ربنا بالدعاء، فالدعاء ثمرة العبادة، بل هو العبادة كما قال  صلى الله عليه وسلم : «الدعاء هو العبادة»، وقد جاء مقترناً بآيات الصيام، قال الله عز وجل: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون}، فعلينا بالدعاء لأنفسنا وأهلينا من الأحياء والأموات.
 افتحوا القلوب
وهنيئاً لمن فتح قلبه لذكر الله وانشرح صدره لتعظيم ربه، فتفكر واعتبر وتذكر واستغفر، قال  صلى الله عليه وسلم : «ما عمل آدمي عملاً قط أنجى له من عذاب الله من ذكر الله»، فإن الله تعالى يرضى عن العبد بذكره إذا أكل أو شرب أو أخطأ أو نسي، وفي الحديث: «إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، أو يشرب الشربة فيحمده عليها» فبذكره تعالى يذكركم، وبشكره عز وجل يزيدكم.
علينا أن نغتنم هذه الأيام المقبلة بالتوبة والاستغفار، ونقبل على رب غفور رحيم كريم، فالتوبة والاستغفار خير ما يستقبل به شهر رمضان، يقول التواب الرحيم: {وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون}، والمؤمن بحاجة لاغتنام ثواب التوبة، وتدارك ما قد ينساه أو يغفل عنه، وكان رسول الله  صلى الله عليه وسلم  يدعو بهذا الدعاء: «رب اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري كله، وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي خطأياي وعمدي، وجهلي وهزلي، وكل ذلك عندي، اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، أنت المقدم، وأنت المؤخر، وأنت على كل شيء قدير».
إن رمضان شهر المواساة والإحسان، وشهر الخيرات والغفران، فاسلكوا سبل الخير فيه إلى الله تعالى بالجود والعطاء، والصدقة والزكاة، ليستعين بها الفقراء والمساكين على صيامهم، وطاعة ربهم، فأدوا زكاة أموالكم، وأكثروا في هذا الشهر من إفطار الصائمين، فقد قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم : «من فطر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئاً».
وتخلقوا في رمضان بحسن الخلق في التعامل مع الناس، فالصيام جنة ووقاية من السوء وقد كان  صلى الله عليه وسلم  يوصي بالصبر وحسن الخلق فيقول: «إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم». 
فعلينا أن نظهر معنى إيجابياً للصيام، فنحسن معاملة الناس، ونظهر البشر والابتسامة في الصيام، ونحضر إلى أعمالنا وننجزها على أفضل وجه وأحسن طريقة، فأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له بالطاعات، وادعوه منيبين، واشكروه حامدين. فمن رحم في شهر الصوم فهو مرحوم، ومن حرم خيره فهو محروم، ومن لم يتزود فيه لمعاده فهو ملوم.
اللهم بلغنا رمضان، وبارك لنا فيه، وتقبل صيامنا، ووفقنا دوماً لطاعتك.
حسن الاغتنام
إن الاستعداد لهذا الشهر الكريم إنما يكون باغتنامه في فعل الطاعات، لا بالتوسع في شراء المأكولات والمشروبات وتخزين السلع والأطعمة من غير مبرر لذلك، وقد علمنا ديننا الحنيف ثقافة ترشيد الاستهلاك، والاعتدال والقصد في كل شيء، وعدم المبالغة في اقتناء ما لا يلزم، والاكتفاء بما يكفي حاجة الفرد والأسرة، قال الله تعالى: {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين}.
فالطعام نعمة عظيمة، بها تقوم حياة الناس، فيجب احترامها، والمحافظة عليها، قال  صلى الله عليه وسلم : «إذا وقعت لقمة أحدكم فليأخذها، فليمط ما كان بها من أذى وليأكلها ولا يدعها للشيطان». فلا يجوز رمي الطعام الصالح للأكل، بل علينا أن نتبرع بالزائد منه لأهل الحاجات، قال  صلى الله عليه وسلم : «من كان له فضل من زاد فليعد به على من لا زاد له» فاحفظوا النعمة واشكروها، وأدوا حق الله تعالى فيها.

* إمام وخطيب المركز الإسلامي في سبنيه - بعبدا.