بيروت - لبنان

اخر الأخبار

15 تشرين الأول 2018 06:05ص إلى كل المتحدِّثين في لبنان... أعيدوا إلينا «إنسانية الخطاب الديني» ...؟!

حجم الخط
هل أكون مغرداً خارج السرب إن كتبت لأطالب بالصوت العالي بإعادة الإنسانية إلى الخطاب الديني السائد في بلادنا..؟!
أعلم مسبقاً أن التهم ستلقى على كاهلي بالجملة لتصفني بكل ما تتخيلون....؟!
سيقولون علماني ومدسوس.. 
وسيقولون مدفوع من طرف آخر..
وسيقولون تابع لأجندة تريد هدم الدين ... 
وسيقولون ينقل البندقية من كتف إلى كتف كلما تطلبت مصلحته...
بل وسيقولون .. ما سأنتظر ليقولونه.. خاصة أننا أصبحنا - ويا للعجب- نتعامل بحساسية «إبليسية» مع كلمة إنسانية ومع كل من يطالب بها..؟! 
ولكن رغم ذلك .. سأبقى مصراً على كل كلمة سأكتبها لأنه لا حلّ أمامنا إلا بإعادة الإنسانية إلى الخطاب الديني السائد في بلادنا.. ثم إلى نفوس الناس جميعاً.
ولا أقصد بالإنسانية ترك الثوابت اوالأصول ولا التفلت من الأخلاق والقيم .. وإنما أقصد بالدرجة الأولى صبّ جلّ اهتمام الخطاب الديني في قضايا الناس الحياتية التي تحقق مقاصد الشريعة الغراء، وبالتالي تخرج لنا أجيالاً قادرة على حسن فهم أمور دينهم ... وعلى حسن العمل بها .. وعلى حسن عرض هذا الدين... لأنهم في الأصل تربوا في أجواء فكرية وثقافية وإنسانية حققت في نفوسهم التوازن المطلوب.
نعم.. فليس من المقبول ديناً ولا عقلاً ولا منطقاً ولا خلقاً .. أن يستمر فكر الخطاب الديني في بلادنا بهذه المسيرة التي لن تزيد البلاد والعباد إلا خرابا وفسادا..؟!
هل من المقبول في ديننا العظيم أيها الأفضال ... أن نطالب «الجائع عنوة» أن يخشع في صلاته، وهو يرى هذه المطالبة تخرج من فم متحدث «ملوّث» بآثار ما لذّ وطاب من الطعام والشراب...؟!
هل يكون الخطاب دينياً.. حين نشجع الناس على التداوي بالأحجبة والخزعبلات والرقية وبالماء المقروء عليه..؟!... في الوقت الذي نرى فيه هذا «القارئ» يتعالج في أفخم مستشفيات العالم وعلى أيدي كبار الأطباء...؟!
بل أي خطاب ديني هذا الذي يأتي إلى قوم تمارس ضدهم كل صنوف الفساد حتى اغتيلت إنسانيتهم واعتقلت كراماتهم، ثم نطالبهم بالتزام ثقافة الحمد...؟!
مقاصد الشرائع المغيبة
إن من المعروف عند المسلمين جميعاً - بل وعند كل الشرائع - أن من أبرز مقاصد الشريعة الغراء حفظ الدين والنفس والعقل والنسب والمال.. 
إذن ... اسمحوا لي أن أسأل... 
أين حفظ الدين في خطاب لا يتحدث إلا في إسباغ الوضوء والناس في بيوتهم لا تجد قطرة ماء.. بل أصبح الماء عندهم أغلى من مشتقات البترول..؟!
وأين حفظ النفس في خطابات تروج للفتنة وللجهل، وتجعل كل مخالف مشروع عدو... وإن كان أبي أو أخي أو جاري...؟!
وأين حفظ العقل في خطاب ديني يرى المجتمع يتلطم بكل أصناف الجنون والعشوائية واللاأخلاقية، وهو مصر على الحديث عن نجاسة الكلاب كأولوية..؟!
وأين حفظ المال، وألسنة المتحدثين لا تتناول إلا «فرضية» الزكاة في مجتمع بات أغلب أهله ممّن يستحقون هذه الزكاة...؟!
بل وأين حفظ النسب في خطابات تعلم تمام العلم عجز الشباب ذكوراً واناثاً عن الزواج، فلا تتحرك ولا تتكلم ولا تقدم من الحلول... سوى الوصية بالصوم..؟!
وهل بعد هذا كله نتوقع أن نرى للخطاب الديني أثراً حضارياً وتنموياً وفكرياً في مجتمعنا...؟!
إننا أيها السادة جميعاً لن نصل إلى أي نتيجة مرجوة طالما نحن نبتعد مع سبق الإصرار والترصد عن إنسانية الانسان في بلادنا، لأن حينها مهما قدمنا من إرشاد وتوجيه وتوعية ونصح، فنحن كمن أتى إلى أرض صخرية .. جافة.. في منطقة لا ماء فيها... ثم يتوقع أن تخرج منها أشجار مثمرة... وهذا ضرب من الجنون الفكري والعبث العقلي...؟!
إذا أردتم أن يكون خطابكم صادقاً... قدموا الدواء للمريض في الوقت عينه الذي تحدثونه فيه عن فضيلة الصبر في الاسلام..؟!
وأمنوا العمل الشريف للعاطل، في اللحظة ذاتها التي نطالبه فيها بالتخلي عن اليأس والإحباط والتشاؤم..؟!
وانشروا العدل الذي أمرنا به في الدين، قبل أن تحدثونهم عن عدل سيدنا عمر بن الخطاب...؟!
بل واسعوا إلى تزويج الشاب الذي يشتكي من فساد المجتمع ومن سهولة الوصول إلى كل حرام ... قبل أن تشنفوا آذانه بثواب العفة والطهارة..؟!
فهذا ما أمرنا به ديننا الحنيف... وهذا ما علمنا إياه رسول الإنسانية والرحمة سيدنا محمد  صلى الله عليه وسلم ..
فساد برداء ديني
إننا - وبكل أسف - ساهمنا جميعاً بكسر كل قوالب الإنسانية في قلب المواطن اللبناني ثم - ويا للعجب - أردناه نموذجاً للمواطن الصالح، فهل بعد هذا الجهل جهل...؟!
والأسوأ أننا عمدنا بكل إصرار على أن تترافق عمليات الكسر هذه بخطوات وأفكار توصف زوراً أنها دينية وروجّنا لها بكل السبل، وقمنا بتأمين متطلباتها وحماية أجوائها.!؟
فإذا ما جاء أي مواطن يشتكي من أي فساد أو أي مرض أو أي ظلم أو أي حاجة ضرورية، طالبناه أولا ببطاقة الهوية، لا لنعرف دينه أو مذهبه أو فكره، وإنما لنمنع العطاء عنه فقط .... لأنه ليس معنا أو - وفق المصطلح اللبناني- «ليس منا»...؟!
حتى أصبحت المدارس والجامعات والنوادي الرياضية ودور الحضانة والمستشفيات والوظائف وكل مرافق الحياة من حولنا... بل وحتى مساجدنا أصبحت طائفية ومذهبية بامتياز.. وكله باسم الدين وتحت ستار الدين...؟! 
لقد انقلب حالنا - ونحن نتفاخر بذلك - إلى عكس ما أمر به الإسلام الحنيف، وإلى نقيض ما أوصى به النبي  صلى الله عليه وسلم ..  فبتنا لا نتعامل مع الانسان المريض أو الجائع أو المحتاج وفق القاعدة القرآنية (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ)... وإنما فقط وفق منهج «وساوسي» يريد أن يجعل منه تابعاً ضمن جحافل الأتباع المغيبين فكرياً ودينياً.. وإلا فليمت جوعا ومرضا وحاجة وذلا..؟! 
والمضحك أننا في خضم هذه المهرجان العبثي الأسود، نجمع من حولنا المناصرين المغيّبين، ونرفع الصوت بنبرة الإيمان الرصين، ندعوهم ليقفوا خلفنا صفوفاً متراصين، ثم نرفع الأكف والأيادي منتظمين، وندعو معهم الله رب العالمين، أن يوحد الأمة وأن يجمع كلمة المسلمين..؟!
إنه مشهد درامي - كوميدي بامتياز، يتبادلون فيه أدوار البطولة - بموافقتنا - بإتقان، لنثبت للأجيال المقبلة بالصوت والصورة والوثائق التي لا تمحى، أن آباءهم وأجدادهم عاشوا في بلادهم من قبلهم، لا يرون من الدين إلا ما أريد لهم البعض أن يروه، ولا يعرفون منه إلا ما سُمح لهم أن يعرفوه..
فكانت النتيجة أننا ورثناهم بدل هذا الدين الراقي والعظيم.. مجموعة من الخرافات والخزعبلات التي تزيد بعدهم عن الدين وترفع نسب الإلحاد عندهم...؟!
فحسبنا الله ونعم الوكيل...