بيروت - لبنان

اخر الأخبار

31 آذار 2020 12:02ص إنه شهر شعبان

حجم الخط
فضَّل الله عزَّ وجلَّ بعضَ الأزمنة على بعضها، وخصَّ بعض الأوقات بأجور دون غيرها، فكان شهر رمضان خيرَ الشهور، وليلة القَدْر أكرم الليالي، وساعات الليل الأخيرة أفضلَ الساعات؛ من أجل ذلك حثَّنا الله عزَّ وجلَّ ورسوله  صلى الله عليه وسلم على عمارةِ هذه الأوقات بالطاعات، والإكثار مِن العبادات، لما لها مِن فضل وتكريم، ومنها: يوم الجمعة، ويوم عرفة، والثلاثة مِن كل شهر، والعشر مِن ذي الحجَّة، والست من شوال، وغيرها.

وقد خصَّ الله عزَّ وجلَّ شهر شعبان بفضيلة رفْع أعمال العباد فيه، ولأجل هذه الفضيلة فقدْ كان النبي صلى الله عليه وسلم يخصُّ هذا الشهر بالصيام أكثرَ مِن غيره ما خلا رمضان، فعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قلت: يا رسولَ الله، لم أرَك تصوم شهراً مِن الشهور ما تصومُ مِن شعبان؟! قال: «ذلك شهرٌ يغفُل الناس عنه بين رجَب ورمضان، وهو شهرٌ تُرفَع فيه الأعمالُ إلى ربِّ العالمين، فأحبُّ أن يُرفَع عمِلي وأنا صائِم».

وفي الصحيحين عن أمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: «ما رأيتُ رسولَ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم استكملَ صِيامَ شهر قطُّ إلاَّ رَمَضان، وَما رَأَيْتُهُ في شَهْرٍ أكْثَرَ مِنه صِياماً في شَعْبَان»، وكذا، فمِن الطاعات والعبادات المستحبة في شعبان الإكثارُ مِن صلاة النَّفل، والصدقة وتلاوة القرآن.

وكما أنَّ الإكثار مِن العبادات مستحبٌّ في الأزمنة والأمكِنة الفاضلة، فإنَّ ترْك المحرمات واجبٌ مؤكَّد فيها، فكما أنَّ الحسنات تضاعف في هذه الأوقات والأماكن، فإنَّ السيئات تضاعَف فيها، لذا على العبد أن يبادرَ إلى نبْذ المحرَّمات في هذا الشهر الكريم، فإنَّ الأعمال ترفع فيه، ولعلَّها تكون آخِر أعمال العبد المرفوعة فيُختَم له بالسوء عافانا الله.

قال الحافظ ابنُ رجب رحمه الله: قوله  صلى الله عليه وسلم: «شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عنه» فيه دليلٌ على استحباب عمارة أوقاتِ غفْلة الناس بالطاعة، وأنَّ ذلك محبوبٌ عندَ الله عزَّ وجلَّ.

ومِن الفوائد المرجوَّة مِن الصيام في هذا الشهر: توطين النفس وتهيئتها لصيام رمضان، فإذا أقْبل رمضان كانتْ مستعدَّة لصيامه بقوَّة ونشاط، قادِرة عليه دون عناءٍ وتكلُّف، متأهِّبة لغيره مِن العبادات والطاعات، فتعظيم شعبان مِن تعظيم رمضان كالسُّنة القبليَّة للصلاة المفروضة، تعظيماً لحقها، وتأهباً لأدائها، ومن هنا كان عمار بن ياسر رضي الله عنه يتهيّأ لصوم شعبان، كما يتهيّأ لصوم رمضان.


* رئيس دائرة المساجد بالأوقاف الإسلامية