بيروت - لبنان

اخر الأخبار

24 آذار 2020 12:02ص الأم... هي العيد في كل يوم

حجم الخط
القارئ للقرآن الكريم, والمتتبّع لآياته, يجد أسلوبه الشيّق في منتهى البساطة والبلاغة في آن معا وبخاصة عندما يدلل على أمر ما ويدعو إليه فتجد الآيات القرآنية تشير لأمر تارة تلميحا, وتارة أخرى تصريحا, وطورا آخر تأكيدا وتشديدا.

ومن ضمن ما أشار إليه القرآن واعتنى به برّ الوالدين, ومن فاته أن ينتبّه الى قول الله عزّ وجلّ: {وقضى ربك الا تعبدوا الا إيّاه وبالوالدين احسانا}... سوف لن يفوته قول الله تعالى في آية أخرى: {ووصينا الإنسان بوالديه}...

انهما وصية الله للإنسان, ليس للمسلم ولا المسيحي ولا اليهودي، انها وصية للإنسان، وصية إنسانية جمعاء, فالإحسان الى الوالدين من مقتضى الإنسانية الصحيحة المجرّدة وهي على أقل تقدير مقابلة الإحسان بالإحسان, فمن الإنسانية انك إذا حييت بتحية أن تحيي بأحسن منها أو تردّها كما هي «وإذا حييتم بتحية فحيّوا بأحسن منها أو ردّوها»..

ومن عومل بالإحسان عليه أن يعامل بمثل ما عومل به «وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان»، وهل يوجد إحسان أعظم وأكبر من إحسان الوالدين لولدهما؟؟

ان برّ الوالدين هو امتحان للأولاد في مادة الاحسان, ومن رسب في هذا الامتحان فهو عاق لوالديه, وعقوق الوالدين هو دمار في الدنيا والآخرة, وهو من الكبائر, وفي مرتبة واحدة مع الشرك والكفر.

ان عقوق الوالدين هو عقوق للإنسانية, هو إنكار للمعروف, ومقابلة الحسنة بالسيئة، هو أعلى مرتبة في مراتب اللؤم، وان من مارس العقوق وتنكّر لوالديه وهما أقرب الناس إليه لا يستحق الوثوق به، ومن كان عاقا لأبيه وأمه لا يستحق صداقتك وصحبتك, فمن خان أقرب الناس إليه جاهز لأن يخونك في أي لحظة من مسيرتكما معا, فلا ثقة بمن عقّ والديه ولا أمان لمن خان الاحسان الذي جاءه من أبويه.

وفي المقابل فان ممارسة بر الوالدين هو قيمة أخلاقية عالية ومتعة نفسية لا حدود لها, يتوجّه قول الله تعالى في القرآن الكريم: {ولا تقل لهما أفّ ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا}.

أما ما يسمّى بعيد الأم وهو يوم في السنة, فهو تكريم في مقام العقوق, ووفاء في مقام الخيانة, فالأم كل يوم عيدها... في كل ساعة لها عيد... يجب أن تبقى حيّة في ذاكرتنا, في كل شهيق وزفير يخرج من بين أضلعنا, هي أساس كياننا وهي مع الأب سبب وجودنا.

فعذرا واعتذارا من كل أم تذكّرها أبناؤها يوما في السنة, وجاءوا بالهدية يقدّمونها مقرونة بعواطف جيّاشة كاذبة.

ان كل يوم تشرق فيه الشمس هو عيد الوالدين. وان كل نبض في عروق الأبناء هو نبض من أحشاء الأم التي حملت وهناً على وهن وعانت آلام الوضع وسهرت الليالي وذاقت مرارة العيش لكي تحمي وليدها من المرض والبرد والحر والجوع حتى أصبح شابا وشابة قوي بنيان الجسم والعقل.

عيد الأم هو عيد الإنسانية المؤمنة بإنسانيتها على مدار الأيام وليس يوما واحدا في السنة.