بيروت - لبنان

اخر الأخبار

24 شباط 2020 12:02ص الأوقاف... جمود أمام تطوّرات الزمن

حجم الخط
إنطلاقا من قول النبي محمد عليه الصلاة والسلام: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» اعتنى أسلافنا من أهل الإسلام في عمل كل ما يرفع من شأن الأمة، وأسّسوا لها المؤسسات العامة التي تضمن للناس تسهيل عيشهم، وأنفقوا على هذه المؤسسات الكثير من الأموال.

ومن هذه المؤسسات الأوقاف الإسلامية.

والأوقاف مؤسسة إنسانية وثقافية واجتماعية، وهي في مجالها الإنساني تماثل الضمان الاجتماعي وكانت تضم الملاجيء الخاصة بالعميان والجذماء (المبتلون بالأمراض المستعصية) والمقعدين، وهي تُعنى أيضا ببناء المستشفيات وفكاك الأسرى.

وفي مجالها الثقافي بَنَتْ الأوقاف الإسلامية أبنية للعلم والثقافة شدّت إليها الرحال... من هذه الأبنية الكتاتيب التي تُعنى بتعليم الأولاد في السن المبكرة، والمياتم التي تهتم بالايتام وتعليمهم، ودور تعليم القرآن الكريم وعلومه، ودور تعليم الحديث النبوي الشريف وعلومه، ومدارس الفقه الشافعي والمالكي والحنبلي والحنفي ، ومدارس اللغة العربية والطب، والخوانق والربط وهي الأماكن التي يقطنها الزهّاد والمتعبّدون، والمساجد وهي دور العبادة.

وهذه المؤسسات الوقفية ساهمت وساعدت في تخريج التلاميذ المتخصصين في كل علم من العلوم، وكل فن من الفنون، من أطباء ملأت تراجمهم طبقات الأطباء، ومهندسين لا تزال آثار نبوغهم ماثلة في كثير من مدارس الشرق وقصوره القديمة، وعلماء في الرياضيات لا تزال أعمالهم موضع اعجاب العلماء، ومن جغرافيين مبدعين، وهذا كله عدا القادة والسياسيين والشعراء والكتّاب والأدباء والنحاة اللغويين والحقوقيين والفقهاء.

وفي المجال الاجتماعي، تهتم الأوقاف الإسلامية بعمل أقنية المياه للشرب، ومشاريع الري، ورصف الطرقات وتنظيفها، وتسهيل أسباب الزواج للشباب والشابات، وإعانة الفقراء والمحتاجين عبر تطبيق نظام التكافل الاجتماعي، واهتمت بعد الإنسان بالحيوان فانشأت للحيوانات مربعات جغرافية تهتم بالشارد منها، وتطبيب المرضى، وتؤمّن لها الغذاء والدواء والرعاية الكاملة.

هذه باختصار بعض من وظائف الأوقاف الإسلامية عبر التاريخ، وظائف تشكّل رافعة لكل مناحي الحياة الخيرية والاجتماعية والثقافية للمجتمع الإسلامي، وهي بأدائها لوظائفها ساهمت بتسطير تاريخ مشرّف لهذه الأمة، وهذه المؤسسة مدعوّة اليوم الى الخروج من نطاقها الضيق الذي وضعت نفسها فيه، وأن تعود الى سابق عهدها وعهدنا بها، أن تعمل على كسب ثقة المسلمين من أهل الخير بها، لكي تشجعهم على ممارسة عبادة تمويل الأوقاف ووقف المال والعقارات وأن تسير مع تطوّرات الزمن فهي الأمل والمرتجى.