إن الناظر اليوم في المجتمع يرى أصنافاً أربعة من النساء، إما صاحبة خلق حسن ولكنها غير محجبة، وإما محجبة صورةً فقط أي نراها تلبس الحجاب ولكن غير متصفة بأخلاق المرأة المسلمة المحجبة العفيفة التقيّة، وإما سافرة الجسد والأخلاق أي ذات أخلاق سيئة وذميمة ومِن النساء الكاسيات العاريات اللواتي أخبر عنهن عليه الصلاة والسلام بأنهن يظهرن في آخر الزمان، وإما محجبة حجاباً شرعياً قالباً وقلباً، ظاهراً وباطناً، فهي لا تستر شعرها وجسدها فحسب بل تحجب قلبها عن الضغائن ونفسها ومعاملاتها عن الأخلاق القبيحة لتحجب جسدها وروحها من النار في الآخرة (أجارنا اللهُ وإيّاكم من النار وأدخلنا الجنة بسلام).
والإسلام لا يهتم بالمظهر الخارجي فقط بل بالباطن أيضاً، قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: «إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم، ولكن ينظرإلى قلوبكم، التقوى ها هنا» (وأشار إلى صدره)، فالإسلام ليس عبارة عن عبادات (كالصلاة والصوم والزكاة والحج) فحسب بل هو عبارة عن عقيدة وعبادات ومعاملات وأخلاق، متصلة ببعضها البعض، فالصلاة مثلا تنهى عن الفحشاء والمنكر ولكن يوجد مَن يصلي ويقع في الكذب والغش والغيبة والنميمة، فالمشكلة ليست بالصلاة ولكن بالمصلي الذي يقول: هذا شيء وهذا شيء أي الصلاة كعبادة شيء مستقل والأخلاق الحميدة كالصدق وعدم الغش... شيء آخر، وهنا المصيبة حيث فصل بعض المسلمين بين العبادة وبين الأخلاق التي يجب أن يتحلّى بها، وأيضاً إذا نظرنا إلى بعض المحجبات اللواتي من الصنف الثاني حيث حجابها صورة فقط ولا تتمتع بأية صفة حسنة أو خلق حميد، فتقع في القيل والقال وعقوق الوالدين والكذب... فهذا الصنف يشوّه الإسلام ويشوّه حقيقة المرأة المسلمة المحجبة التقيّة النقيّة.
شبهة مرفوضة
وهنا تأتي الشبهة على بعض فتياتنا فيقلن: «هل الأفضل أن أكون متحجبة وسيئة الخلق أم أكون حسنة الخلق وغير متحجبة؟»، والجواب على ذلك: أنه يجب على المرأة المتحجبة صاحبة الخلق السيئ أن تبقى متحجبة ولا تخلعه ولكن عليها أن تتخلّى عن الأخلاق المذمومة وتتحلّى بأخلاق الإسلام وبأخلاق أمهات المؤمنين رضي الله عنهن، ويجب على المرأة صاحبة الخلق الحسن أن تكمل الخير الذي عندها بلبس الحجاب لتكون من الصنف الرابع، (أي محجبة حجاباً شرعياً قالباً وقلباً، ظاهرا وباطناً)، فإذا ارتدت المرأة الحجاب فلا بد أن ينعكس لباسها على سلوكها وأخلاقها، باعتباره جزء من هويتها كمسلمة، فمَن ارتدت الحجاب دون التزام تشريعي وأخلاقي فحجابها ناقص وهي آثمة، ومَن التزمت بالفرائض وتركت الحجاب فهي مرتكبة كبيرة من الكبائر؛ لأن الحجاب والعمل بتكاليف الإسلام كالوضوء والصلاة، فلا يُغنى وضوء عن صلاة، ولا تقبل صلاة بغير وضوء.
ونسمع أيضاً مَن يقول: «أنا أكره الحجاب لأن بعض المحجبات سلوكهن سيئ»، فللأسف هذا واقع بعض المحجبات، ولا حول ولا قوة إلا بالله. ولكن هناك أيضاً مَن يواظب على الصلوات الخمس ويفعل الفواحش!!! وهناك من يحجُّون وهم يتسترون وراءه ليفعلوا أشياء أخرى... فهل هذا يعني أن نكره الصلاة أو الحج؟ أو أن نتوقف عن الصلاة أو الحج بسبب هؤلاء المخطئين؟ فالخطأ إذن ليس في الحجاب أو الصلاة أو الحج وإنما في تصرفات هؤلاء؛ فاكرهي تلك التصرفات كما تشائين، ولكن لا تكرهي الحجاب.
يقول الله تعالى: { و لا تزر وازرةٌ وزر أخرى}، فكلٌ منَّا محاسَبٌ على أفعاله وليس على أفعال غيره، قال تعالى: {كل نفس بما كسبت رهينة}، وقال أيضاً: {كل امرئ بما كسب رهين}، فلتتذكّر كل أخت مسلمة يوم يُنادَى عليها باسمها: «فلانة، هَلُمِّي للعرض على الجبار»، حين تجد نفسها وحيدة لا يصحبها إلا عملها، فمن يدافع عنها يومئذٍ؟.
الحجاب منظومة متكاملة
فالحجاب يا كل المسلمات هو عبارة عن منظومة حياة متكاملة تسعد المرأة المسلمة بالحجاب وتحيا به ويدفعها إلى الخلق الحسن الذي هو قوام حياتها، وعليه مدار سعادتها، فمن رزقت وأكرمت بالحجاب والأخلاق الطيبة والحميدة فقد رزقت كل خير، ومن حرمت ذلك فإنها حرمت من كل خير، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول لمن جاء يسأل عن البر «البر حسن الخلق»، وقد سُئل عن أكثر ما يدخل الجنة فقال: «تقوى الله تعالى، وحسن الخلق» وقال صلى الله عليه وسلم في بيان شرف حسن الخلق: «إن من أحبكم إليّ وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا» والأخلاق الفاضلة كثيرة منها: الصبر على الطاعات، وفعل الخيرات بلا ضجر ولا ملل، والصبر عن المعاصي وعن كل خلق سيئ كالكذب والخيانة والغش والخسّة، والكبر، والعجب، والبخل والشح، وعدم الكلام إلا بخير لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت».
وقال: وعلى المرأة المسلمة قول المعروف، قال تعالى في تأديب نساء النبيصلى الله عليه وسلم {يا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}..
فالحجاب أمر عظيم فقد قال الله عزّ وجلّ: {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً}..
وهو تشريف وتكريم ودين ورمز وهوية وطهارة، والذي فرض الصلاة والصيام والزكاة والحج هو الذي فرض الحجاب وأمرنا بالأخلاق الحسنة.
الحجاب حياء وستر، والله حييٌ يحب الحياء، سِتِّير يحب الستر، قال صلى الله عليه وسلم في الحياء: «إن لكل دين خُلُقاً، وإن خلق الإسلام الحياء».
والحجاب طاعة لله عزَّ وجلَّ وطاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أوجب الله تعالى طاعته وطاعةَ رسولِه فقال: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً}.
وبالختام أذكّر أخواتي المسلمات بالشروط الأساسية للحجاب واللباس الشرعي، فيجب أن يكون: ساتراً، فضفاضاً، غير ضيّق، وأن لا يصف حجم الجسم، وأن لا يكون رقيقاً شفافاً مُخايلاً لما تحته، وأن لا يلفت النظر، وأن لا يشبه ملابس الرجال.
أسأل الله عزّ وجلّ أن يهدي شباب ورجال أمة محمد وأن يردّهم إلى دينه ردّاً جميلاً وأن يهدي شابات ونساء أمة محمد صلى الله عليه وسلم وأن يستر عوراتهم وأن يرزقهن الحجاب ولباس التقوى والأخلاق الحسنة التي جاء بها إمام الأنبياء والمرسلين وآخر دعوانا أن الحمد للّه رب العالمين، لا تنسونا من صالح الدعاء.
الشيخ وسيم مزوق
إمام وخطيب مسجد المجيدية - بيروت