بيروت - لبنان

اخر الأخبار

5 آب 2020 12:04ص الحج الاستثنائي

حجم الخط
عندما اجتاح وباء كورونا العالم، ومن ضمنه المملكة العربية السعودية، كان لا بد، لمحاصرة الوباء ومنع انتشاره، من تعليق أداء شعائر العمرة في المواقع المقدسة في مكة المكرمة. وحسناً فعلت المملكة ذلك. فأداء العمرة ليس مرتبطاً بمواقيت محددة، ولكن مع استمرار اجتياح الوباء كان لا بد من التعامل مع أداء مناسك الحج بطريقة مختلفة. ذلك ان أداء هذه المناسك مرتبط بمواقيت محددة وبمواقع محددة. ثم ان الحج ليس كالعمرة. انه ركن من أركان الإسلام الخمسة وتعطيله، ولو قهراً ومؤقتاً، هو تعطيل لهذا الركن الثابت.
لقد كان من الحكمة استحداث تنظيم استثنائي في هذا الظرف الاستثنائي لأداء هذا الركن الثابت من أركان الإسلام، في إطار الالتزام بالمحافظة على سلامة وصحة الحجاج، وهو التزام ديني قبل أن يكون التزاماً أخلاقياً أو إنسانياً أيضاً.
لم يفد الى المملكة حجاج من دول العالم الإسلامي كما في كل عام. مع ذلك كان الحجاج من العاملين في المملكة ومن المقيمين فيها، وكانوا أيضاً من رعايا معظم دول العالم الإسلامي. ومن شأن ذلك تحقيق رمزي للمشاركة الإسلامية العامة في أداء مناسك الحج. ولقد أدّت الاجراءات الصحية التي اعتُمدت ونٌفذت بحكمة وصرامة معاً، الى المحافظة على سلامة الحجاج بحيث انه لم تظهر أي إصابة في أي واحد منهم بحمد الله وفضله.
لقد كانت فكرة فتح أبواب المناسك أمام حجاج بيت الله الحرام في زمن الكورونا المتوحشة، فكرة جريئة وإبداعية. فهي من جهة أولى لم تعطّل أداء ركن الحج هذا العام، ومن جهة ثانية حافظت على رمزية المشاركة الإسلامية العامة في أدائه، ومن جهة ثالثة أثبتت المملكة انها دولة خادمة للحرمين الشريفين، كما أثبتت انها في مستوى أداء هذه الخدمة، ليس مادياً وتنظيمياً فقط، إنما إبداعياً أيضاً.
يتردد كلام كثير حول العائدات المادية التي تجنيها المملكة مما يدفعه الملايين من الحجاج والمعتمرين على مدار السنة. ولكن قليلاً ما يشار الى الإنفاق السخي للمملكة على توسعة الحرمين الشريفين وعلى تطوير وتحديث مواقع المناسك والطرق المؤدية إليها لتأمين راحة وسلامة ضيوف الرحمن. فالضيف ليس سائحاً. السائح ينفق على نفسه. والضيف يُنفق عليه. وعندما تعتبر المملكة الحجاج والمعتمرين ضيوفاً على الرحمن، وعندما تعتبر نفسها خادمة لبيت الرحمن، فان ما تنفقه على الضيوف ومن أجل سلامتهم وراحتهم يتجاوز حسابات الأخذ والعطاء وموازنات المداخيل والمصاريف. ذلك ان هذه الخدمة ليست وظيفة. انها تشريف وأداؤها شرف. ولا شرف أسمى من أن يكون الإنسان في خدمة الحرمين الشريفين اللذين هما في مقدمة البيوت التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه.
لقد نجح فيروس كورونا في إسكات أصوات السيارات والقطارات في شوارع المدن وساحاتها العامة، ونجح في إخماد أصوات الطائرات في السماء، وفي كمّ أصوات البواخر في البحار والمحيطات.  صمتت المصانع وتوقفت عجلة الحياة العامة عن الدوران في الأسواق والملاعب الرياضية، وفي الملاهي والمسارح والمطاعم، ولكن المؤمنين صلّوا في عرفات ورجموا الشيطان في منى، وطافوا حول بيت الله الحرام في مكة المكرمة مرددين: لبيك اللهم لبيك..
صحيح ان عددهم كان قليلاً.. ولكنهم كانوا هناك.. وهذا هو المهم.

أخبار ذات صلة