بيروت - لبنان

اخر الأخبار

12 أيار 2023 12:00ص الحقائق المُرَّة.. والإساءة للدين..؟!

حجم الخط
يخبرنا واقع الحال في بلادنا، أننا جميعا وبلا إستثناء، نعيش وفي صدورنا حقيقة مُرّة نكتمها تعنّتا وجهلا، وهي أننا لم نعش يوما برقيّ هذا الدين العظيم الذي جعله المولى تعالى سبيلا لإخراجنا من الظلمات إلى النور..
بل وإننا انقلبنا على حضارة هذا الدين وعلى رقيّه وعظمته حتى شوّهنا صورته في نفوس الأقارب قبل الغرباء، فبات - بسوء فهمنا وسوء عرضنا له - سببا لكل تخلّف وكل تراجع وكل فساد وكل منكر..؟!
وأظهر فساد نعيش في سلبياته هو أننا أولا.. جنّدنا «أبالسة» متعددين من حولنا ليغرسوا في نفوس الشباب قبول فكرة العيش في ثلاثية الذلّ والهوان والجهل، ثم جعلنا هؤلاء الشباب مشاركين في مفسدة صناعة الطغاة والجبابرة الذين ألبسناهم زورا وبهتانا هالة دينية كبيرة، بينما هؤلاء الأبالسة أنفسهم لم يحركوا ساكناً ليغرسوا في الشباب كيفية صناعة كرامتهم وكرامة أمّتهم ليكونوا مؤمنين وأحرارا...؟!
ونعيش في فساد - وهذه مرارة ثانية - خلط الفكر البشري بالنصوص الدينية، حتى أصبح كلام بعضهم مقدّساً عند الأتباع ولو على حساب صحة النص الديني، ونسينا بل تناسينا أن الفكر الإسلامي هو النشاط العقلي للمسلمين عبر مختلف العصور في التعامل مع النصوص في سبيل فهم هذا الدين وكلٌّ بحسب قدراته ومعارفه وعلوم عصره وأدواته، وأنه ليس الوحي الإلهي الذي نزّل على النبي صلى الله عليه وسلم، والذي تكفّل الحقُّ تبارك بحفظه من كل عبث بالتحريف أو بالنقصان أو بالزيادة أو بأيّ أمر، فقال: {إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}.
ونعيش في فساد - وهذه مرارة ثالثة جاءت نتيجة للمرارة الثانية - الألقاب التي نشروها بين الناس على أنها ضرورية، بل وعلى أنها «دينية»، حتى باتت من بديهيات الإيمان عند «البسطاء»، فأصبح كل مغرض يسبق اسمه بألفاظ مثل العلّامة والفهّامة والقطب وصاحب الكرامة وصاحب الخطوة والولي والعارف وغيرها، بينما هي في حقيقة الحال خطوة لتجييش الناس وتجهيلهم ثم إقفال عمل العقل عندهم ثم تكوين الأتباع والأزلام وتكثير الانتفاع..؟!
وهؤلاء.. وبالمناسبة هم أنفسهم الذين يحدثوننا عن وحدة الأمة وعن أخوة الإيمان و«جسدية الأمة».. ثم إذا بهم لا يبتغون بأعمالهم وتحركاتهم إلّا تقسيم الأمة إلى مجموعات من البشر المتناحرين والمتقاتلين والمتعاركين الذين يعيشون في ضنك من العيش وسوء من الأحوال، فيفسّق بعضهم بعضا ويكفّر بعضهم بعضا خدمة لهذا المتحدث عن وحدة الأمة، بينما هو في رفاهية العيش يتنعّم..؟!

الانهيار الكبير

تعالوا لنعترف أيها السادة أننا نعيش في لحظة انهيار كبير جعلنا أكبر المسيئين لهذا الدين في كل أبعاده الحضارية، وليس هذا الاعتراف من باب جلد الذات، بل هو من باب حسن تشخيص المرض الذي أصابنا، لعلنا نبدأ بخطوات العلاج الذي ربما - وأقول ربما - تثمر نتائجه في عهد أبنائنا وربما أحفادنا..؟!
تعالوا لنقول للجميع مهما علا شأنهم وارتفعت مكانتهم أن الإسلام ليس محصورا في كلامك ولا في خطبك ولا في فهمك للنصوص، بل هو دين أرسله الله تعالى للعالمين.
هو دين عظيم، أمر بالعدل وبالمساواة وبالحرية وبالعلم، وليس بالظلم والتفرقة والتجهيل والقمع تحت ستار شعارات كاذبة، وأن الإسلام ليس تطييفا ولا تمذهبا ولا تحزّبا ولا انتصارا لزعيم أو لرئيس أو لغيرهم، بل انتصارا للحق.
إننا - وبكل وضوح أقول - نرتكب جريمة متعمّدة في تشويه الصورة في نفوس الأبناء والأحفاد حين نعرض هذه العورات العقلية والفكرية والثقافية وكأنها دين..؟!
فنحن نسير في الاتجاه المعاكس للدين، حين نصوّر للأجيال أن الإسلام كما يريده البعض اليوم، تقبيل لأيادي بعض المعمّمين، ومباركة بعباءات البعض الآخر، وتقديم فروض السمع والطاعة لبعضهم الثالث..؟!
ونسير أيضا عكس مراد الدين، حين نصوّر كل نقاش وكل حوار وكل مخالفة لبعض هؤلاء، وكأنه كفر أو فسوق أو خروج عن الجماعة ويستحق «مرتكبها» الويل والثبور وعظائم الأمور..
ونحن نخالف مراد الدين أيضا حين نأخذ كلام كل معمّم وكل ملتحي وكأنه نص مقدّس، من يخالفه يكفر، ومن يعارضه عدو للإسلام وللمسلمين..؟!
لا أيها السادة...
هذه الخطوات «الإبليسية» التي ارتدت لباس الدين عند البعض زورا وبهتانا، لا تنتج أجيالا فهمت الإسلام ولا تفاعلت مع الإسلام، ولا عملت بالإسلام كما ينبغي، بل هي تلفظ لنا المزيد من الأتباع (السذج) الذين لا يحسنون سوى التحلّق خلف زعيمهم أو الالتفاف حول شيخهم، ليؤمِّنوا على كلامه.. ثم يرددوا ترهاته... ثم ينشرونها في محيطهم وكأنها هي (الدين)..؟!
نعم - وبالصوت العالي أقول – نحن في حالة انهيار كبرى.. وفي حالة غربة أكبر عن هذا العظيم، الذي ونتيجة لكل ما سبق، انحصرت أعمال كثير من أتباعه في بلادنا الملوثة في مظاهر تلك العصبية العمياء ولو على حساب الحق، فبات كل منكر وكل فساد مقبولا ما دام صادرا عن (محسوب علينا)، بينما الحق الواضح يرفض تماما إن صدر عن (محسوب على غيرنا)..؟!
وهكذا... حتى (طيّفنا) الدين و(مذهبناه) في كل مجالات الحياة.. وبات الانتصار في السياسة وفي التعليم و في الرياضة وفي الطبابة وفي الجامعات وفي الاستثمار العقاري وغيرها فقط لمن هو (منا؟!) وإن كان فاسدا ومخطئا، ورفضك أو معارضتك للأمر هو خيانة للدين وللطائفة وللمذهب..؟! فكل شيء في بلادنا ملوث بسموم الطائفية تحت ستار الدين ونصرة الدين..؟!
أيها السادة الكرام..
تعالوا وللمرة الثالثة... لنعترف أن سماء البلاد ملوثة وموبوءة وبحاجة إلى لقاحات فكرية وعقلية وثقافية تعيد الأمور إلى نصابها، وإلّا فسنصل إلى مرحلة يطالب فيها البعض بترك نصوص القرآن الكريم واتّباع أقوال زعيمهم أو إمامهم أو شيخهم... وصدّقوني.. ليست ببعيدة إن بقينا كما نحن..؟!

bahaasalam@yahoo.com