إن خطيب الجمعة هو الملاذ الآمن لجماعة مسجده وأهل حيّه، فينبغي عليه أن يكون قريبًا منهم بقلبه وقالبه، ويعتبر نفسه واحدًا منهم، يُشاركهم همومهم ومشكلاتهم وأفراحهم وأحزانهم ويجعل كبيرهم أبًا وأوسطهم أخًا وصغيرهم ابنًا، فالشباب هم رجال الغد وينبغي إعطاؤهم اهتمامًا خاصًّا، من هنا كانت خطبة الجمعة ولا زالت منبرًا إعلاميًّا مهمًّا لها دور كبير في توجيه الناس وإرشادهم إلى ما فيه صلاح دينهم ودنياهم، باعتبارها جسرًا للتواصل بين الأصالة والمعاصرة، لذلك فإن هناك مسؤولية كبيرة تقع على عاتق الخطيب في اختيار موضوع الخطبة ولغتها وبيان تأثيرها في عقول المستمعين، بما يجعل ردة الفعل أكثر إيجابية وليس مجرد سلوك روتيني ينتهي كل أسبوع.
إن السواد الأعظم من جيل الشباب يرون أنهم بحاجة الى تطوير موضوع الخطبة ولغتها بحيث يكون الخطيب قريبًا من عقولهم واتجاهاتهم ما يسهل عليهم استيعاب المضمون، وذلك يتطلب أن يبذل الخطيب جهدًا كبيرًا في التأصيل واللغة وسهولة الطرح بروح تواكب لغة العصر، ودون ذلك يصعب تصوّر أن تؤدي الخطبة دورها في الوعي والتوجيه والإرشاد.
صياغة الخطبة
الخطبة لها أهدافها ومقاصدها الشرعية، وهي بذلك تلعب دورًا حيويًّا في ترسيخ الوعي الديني، كما أنّها شُرِعت لتذكير الناس بواجباتهم نحو دينهم ومجتمعهم، وتصحيح مفاهيمهم ومعالجة مشكلاتهم، من هنا يتحتّم على الخطيب أن يعتني بها ويوليها جلّ اهتمامه، وأن يصيغها بأسلوب لطيف يُرغّب المصلين في السماع والحضور له، حيث يجدون في الخطبة ما ينفعهم ويُصحّح مفاهيمهم، مراعيًا حالهم وفئاتهم المتنوّعة ومستوياتهم التعليميّة وقدراتهم الفكريّة المتفاوتة.
عقليّة الخطيب والمواكبة الاجتماعيّة
إن ضعف تأثير منبر الجمعة على الناس في عصرنا الحاضر سببه في كثير من الأحيان ضعف الخطباء، لذلك ينبغي تطويرهم وإعدادهم لهذا الأمر، فينبغي أن تُطوَّر لغة الخطاب الدعوي بأن تكون موضوعات الخطبة عصرية تنبع من وسط الحياة المعاصرة، وتُستخدم لغة عصرية للوصول الى إفهام الناس.
كما ينبغي لخطيب الجمعة ترك المواضيع التي تثير الالتباس في عقول الناس، وأن يتناول المواضيع التي تشجع الناس على فعل الخير وتبغض عندهم الشر، ويُحمّل كلّ فرد مسؤولية إصلاح نفسه وإصلاح الآخرين عملاً بقول الله تعالى: {والعصر إنّ الانسان لفي خسر إلاّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحقّ وتواصوا بالصّبر}.
ولكي تكون الخطبة ذات تأثير كبير على المستمعين ينبغي أن تعالج المشاكل التي تتجذّر في واقعهم ومجتمعاتهم، لذا نجد في عصرنا اليوم أن جيل الشباب اليوم يتفاعل وبشكل كبير مع المواعظ المرئية والمسموعة والمكتوبة من خلال مواقع التواصل الاجتماعي التي تُقدَّم بطرق يستوعبها جيل اليوم، بينما باتت خطبة الجمعة بالنسبة لعدد كبيرمن الشباب مجرد روتين بسبب عجز بعض الخطباء عن مخاطبة الجيل الحالي باللغة التي يفهمها.
فبعض الخطباء يوغلون في استخدام خطب قديمة يُكرّرونها كلّ خطبة، ويقرؤونها من ورقة حتى بات المصلون يحفظونها ويحفظون افتتاحية خطبهم كما يحفظ أحدهم اسمه وعنوان بيته، بينما يذهب خطيب آخر بعيدًا في إهمال التحضير لخطبته واختيار المواضيع المهمة، فتراه يؤدي خطبة عبارة عن «خليط» من المواضيع المتشعّبة دون تحضير وتنسيق مسبق وبلهجات محلية، في الوقت الذي بتنا نشاهد فيه شبابًا يستقطبون ملايين المتابعين على صفحاتهم الشخصية في مواقع التواصل الاجتماعي، لأنهم عرفوا المادة التي يحتاجها الشباب.
مسؤوليات الخطيب
إنّ المسلمين يتوجهون إلى المساجد أسبوعيًّا للاستماع إلى خطبة الجمعة وأدائها.
ومما هو معلوم أنّ الشّريعة أوجبت على الرجال البالغين المستوطنين حضورها، كما أوجبت على من حضرها الإنصات والاستماع إلى الخطيب، وكل ذلك وسواه يحتّم على الخطيب العناية بإعداد الخطبة من خلال الاهتمام باختيار موضوعها، فالجمعة تتكرّر 50 مرة في السنة تقريبًا، فعلى الخطيب أن يحرص على تنوع الموضوعات وأن يلامس حاجة المجتمع من حيث القضايا الدينية والفقهية والاجتماعية، كما يحسن أن يتواصل مع المصلين ليتعرف على حاجاتهم لتشكّل موضوع خطبته، ولا يتحقق هذا إلا باﻹعداد الجيد للخطبة من حيث شمولها لجميع جوانب الموضوع مدعمة بالنصوص الشرعية من الكتاب والسنة وأقوال سلف اﻷمة، ولا بأس بالاستئناس بالقصص الهادفة المحفزّة على الخير، أما النظرة اﻹيجابية للمجتمع فهي ثقافة مغيّبة عند كثير من الخطباء الذين يبثون روح التشاؤم في نفوس المصلين بدل من رفع معنوياتهم وذكر المواقف المشرقة والبعد عن لغة تثبيط العزائم، فبإمكان الخطيب مثلاً أن يتحدث عن بر الوالدين فيذكر صورًا مشرقة ومشرّفة، فيخرج المستمعون البارّون لوالديهم وفي قرارة أنفسهم الاستمرار على البر والزيادة في صوره، بينما لو تحدث عن الصور المبالغ فيها في عقوق الوالدين التي لم يعرفها ولم يألفها مجتمعنا فقد يخرج المستمعون المقصّرون مع والديهم وفي قناعة أنفسهم أنهم من البارين.
كما يجدر بالخطيب الحرص على العناية بقواعد اللغة العربية والاستفادة من ثرواتها النثرية والشعرية ولا مانع أن يَدرُسَ قواعد النحو، فكم من خطيب قَلَبَ المعنى الذي يريده بسوء إلقائه وعدم ضبطه للنحو، كما عليه وهنا الأهمّ أن يتعرف على فنون اﻹلقاء، وأن يسعى سعيًا حثيثًا لحضور دورات تتعلق بمهارات الخطابة واﻹلقاء وفنّ مخاطبة الجمهور، ولهذا على الخطيب البارع أن يعمل على تطوير نفسه أولاً بأول لمجاراة كل جديد في دنيا الخطابة ومهارات التواصل مع الجمهور، من خلال متابعة الكتب والبحوث والرسائل والتزود من القراءة المستمرة وعدم الاكتفاء بالمقالات الهشّة والضعيفة في الإنترنت.
اختيار الموضوع المناسب
إن خطبة الجمعة هي الزاد الأسبوعي الذي يزود فيه الخطيب المصلين بما يحتاجون إليه من أمور دينهم ودنياهم ويعالج من خلالها مشكلاتهم، وما يؤكد أهميتها وعظم شأنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتولاها بنفسه، وكذلك خلفاؤه الراشدون من بعده وعندما نتتبع هديه صلى الله عليه وسلم في خطبه لا سيما خطبة الجمعة نجدها خطبة موجزة شاملة كاملة، مع أنه صلى الله عليه وسلم أوتي جوامع الكلم، إلا أنها مشتملة على جميع أركان وشروط وآداب الخطبة.
الشيخ د. علي ايوب