بيروت - لبنان

اخر الأخبار

3 كانون الثاني 2020 12:02ص الدَّرْوَشَة ليست ديناً..؟!

حجم الخط
بعض المسلمين اليوم في مختلف أنحاء العالم كله للأسف أصبحوا مثل «دون كيشوت»... ذلك الرجل الذي صدّق زيف فكره فقضى حياته كلها يصارع الأوهام ثم راح يخوض معاركه بسلاح خشبي واهن..؟!

فقد اعتكف أكثرنا عن حركة الحياة وهجر ميادينها وبخل بعطائه عليها، ثم جلس في غرفته المظلمة يشعل أعواد البخور ويدعو... منتظرا نصرا مظفرا..؟!

جلسنا جماعات متفرّقة، وكل جماعة ترى نفسها الناجية وغيرها الهالكة، ولذا لم نتقن إلا فن الحقد على الآخر..؟!

نحارب الظلم... بروائح العود والصندل والعنبر...؟!

ونواجه الجهل... بعصبية مقيتة.. هي أشدّ جهلا..؟!

ونداوي الأمراض... بالحبة السوداء وببذر الكتان..؟!

ونتعامل مع ركودنا... بنظرية المؤامرة التي احتلّت الصدور..؟!

ثم عند نفاذ الأعذار وقلّة الحيلة.. نرمي باللائمة على الحسد الذي يُمارس علينا... أو على «الجن» الذي «تلبّس» حياتنا فأوقف مسيرتها وعطّل طاقاتها.. ثم ندفع الملايين لاهثين خلف المشعوذين والدجّالين لنأخذ من «كراماتهم» حجابا مزيّفا مغلّفا بريش «دجاجة سوداء».. ليكون حصنا لنا من «عمل» الشياطين ومخرجا لأزماتنا...؟!

والأنكى... أننا بعد ذلك أوصدنا الأبواب على أنفسنا مع سبق الإصرار والترصّد.. ورحنا نصرخ... حرّرونا من قيود السجن..؟!

لا أيها السادة... إن التحرّر الحقيقي.. يبدأ أولا بتفعيل معاني الإيمان الصحيح حتى تكون الدافع الأول للسير بنا في طريق الريادة، وبلا هذا التحرّر لن ننال سوى القهر والضعف والجهل.

ويكون ثانيا بالعمل الفعلي المبني على الإيمان والمنعكس إيجابية وفعالية على المجتمع من حولنا، فلا إيمان بلا عمل... ولا عمل بلا إيمان.. ولا كرامة لمن تخلّى عن الإثنين..!!

إن العالم اليوم لا يعترف إلا بالقويّ العامل.. الذي يواجه بالعلم... ويعاند بالحق.. ويثابر بالعمل... ويحاور بالحجّة والبرهان حتى يصل إلى مبتغاه، وما دمنا - في نفوسنا وإيماننا - ضعافا جاهلين فلا قيمة ولا وزن ولا أثر ولا كلمة لنا... بل ولا مستقبل..!!

فالإسلام دين العمل والعلم والبناء والتفاعل والتطوّر والتجديد والإتقان والتحاور والتعاون، وهو يريد من كل أتباعه أن يكونوا عاملين ومبدعين وأقوياء.. وطبعا يريدهم مؤثّرين لا إمّعات، فحياة «الإمعة» لا تبني الأمم والمجتمعات بل تسارع إلى هدمها وخرابها.

إن الأمة التي تسعى إلى «دروشة» مقدّراتها وطاقاتها، وتزيّن «تواكلها» بالورود والزنبق لتستسيغ رائحته لن تكون سوى ضعيفة وتابعة وذليلة.. وأبدا.. ليست هذه صفات الأمة الإسلامية..؟!



bahaasalam@yahoo.com