بيروت - لبنان

اخر الأخبار

17 شباط 2023 12:00ص الدعاة في ذكرى الإسراء والمعراج: درس لكل صاحب همّ أن لا يلتفت قلبه إلّا للّه عزّ وجلّ

حجم الخط
قد كانت حادثة الإسراء والمعراج بمثابة منعطف خطير في تاريخ الدعوة الإسلامية لما حملته من شحذ لهمّة الرسول الكريم وتجديد لعزيمته وذلك بعد أن تحجّرت قلوب أهل مكة فأعرضوا عن قبول الحق.
فذكرى الإسراء والمعراج حدث أرضي سماوي عظيم ففيه تجلّت معجزة الله الخالدة إكراماً لرسوله الكريم محمد، فقد أنجز الله سبحانه وتعالى لرسوله الكريم محمد معجزة لا ككل المعجزات فاقت ما كان لكل الأنبياء والمرسلين، فقد أراد الله سبحانه وتعالى أن يسرى بعبده من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى فأسرى ورأى من آيات ربه ما رأى، فما زاغ البصر وما طغى فالسماوات والأرض كانتا أثناء رحلته تحت امرته بقدرة ربه وعزّته وجلاله.
فرحلة الإسراء والمعراج دعوة للعروج إلى الله بأرواحنا وقلوبنا ودعوة للخروج من الظلمة إلى النور ومن الشك إلى اليقين ومن العصيان إلى الطاعة ومن الفرقة والخلاف إلى لزوم الجماعة والائتلاف... فحدث الإسراء دعوة لجميع المؤمنين أن يعودوا إلى معنى الإسراء إلى حقيقة الصلاة ليجتمع الجمع على حقيقة لا إله إلا الله...
ماذا يقول العلماء في هذه الذكرى العظيمة..؟

أبو شعر
بداية قال الشيخ يحيى أبو شعر، مسؤول الإعلام في صندوق الزكاة: نعيش شهر رجب، رجب الخير الذي نقرب منه إلى شهر رمضان ولا بد أن نحيا حدث الإسراء والمعراج وما يرمز هذا الحدث بالنسبة للمسلمين خاصة، وما يحمل من ارتباط بين الأرض والسماء وبين توثيق العلاقة بين الخالق والمخلوق.
وأضاف: كان حدث الإسراء والمعراج ليقول الله لنبيه ان ضاقت بك الأرض فالسماء تفتح لك فأسرى الله به من بيت الله الحرام إلى المسجد الأقصى، وعرج به جبريل من المسجد الأقصى إلى السماوات العُلى، إذ قال في كتابه العزيز: {ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى} ففي تلك الليلة فرضت الصلاة على المسلمين لتكون معراجهم الدائم إلى الله تعالى فأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فليس بين العبد وربه مسافة فإذا قال العبد: يا رب، قال الله سبحانه وتعالى: لبّيك. وتابع قائلاً: حدث الإسراء دعوة لجميع المؤمنين أن يعودوا إلى معنى وليجتمع الجميع على حقيقة «لا إله إلا الله» وقول الله تعالى: {واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته اخواناً}.
وختم قائلاً: كم نحتاج إلى فقه هذا الحدث لنسير على نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم ولتعود أمتنا إلى معنى الإسلام وسموّه وارتقائه تمسّكاً بحدث الإسراء.
العرب
الشيخ حسن العرب، إمام وخطيب المركز الإسلامي في سبنيه بعبدا ورئيس جمعية قِمَم، قال: في هذه الليلة المباركة ليلة السابع والعشرين من رجب علينا أن نتذكر حدثا جللا من أحداث السيرة النبوية هو حدث الإسراء و المعراج لرسول الله صلى الله عليه وسلم والذي حدثنا عنه القرآن الكريم في سورة الإسراء حيث قال: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير} [الإسراء:١].
وأضاف: هذه المعجزة فيها معاني سامية وفوائد وعِبَر كثيرة نحتاج إليها في حياتنا المعاصرة أكثر من أي وقت مضى.. وسأتوقف عند ثلاث عظات ومحطات منها:
أولاً: لنتعرف على شرف ومكانة وقدر النبي صلى الله عليه وسلم ومنه شرف ومكانة هذا الدين العظيم والرسالة التي حملها النبي محمد صلى الله عليه وسلم وبلّغها الى قومه وأمته.. وهذه الرحلة المباركة جاءت منحة بعد المحنة، منحة التكريم بعد محنتة في الطائف.
ففي الإسراء والمعراج كان التكريم والعطاء، فلئن آذاه أبو جهل في الأرض فسوف يصاحبه جبريل في السماء، ولئن استهزأ به صناديد قريش في مكة فسوف يصلي خلفه كرام الأنبياء، حيث أسلموا له بالقيادة والريادة والولاء. فكان التكريم على سمو أخلاقه ورحمته لقومه، إذ كان يتضرع لهم بالدعاء فيقول: «اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون». فنتعلم منه سعة الصبر وحسن الأخلاق في الدعوة الى الله سبحانه و تعالى.
أما المحطة الثانية فهي عن أهمية الصلاة وأثرها في حياة المسلم. فكانت الهدية التي بقيت لنا من هذه المناسبة هي الصلوات التي هي معراج كل مؤمن الى ربه، يعرج يومياً بقلبه وروحه من خلال لقاء الله عزّ وجلّ في اليوم خمس مرات.
تلك الصلوات التي تنتزع المسلم من دنيا الصراع والحدود والقيود والسدود الأرضية الى العالم الأرحب إلى ملكوت الله عزّ وجلّ في روحانية لا يحدّها مكان ولا زمان. فتقف بين يدي ربك تناجيه فتناجي قريباً مجيباً، وتسأله فتسأل كريماً معطاء، وتستعين به فتستعين بقوي معين.. فهنيئاً لمن وفّقه الله تعالى للمحافظة على صلاته فأدّاها في أوقاتها كما أمر الله عزّ وجلّ في قوله تعالى: {فأقيموا الصلاة إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً} وسعدا لمن رعاها حق رعايتها وأمر أهله بها كما قال الله تعالى: {وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها} وهذه كانت آخر وصايا الرسول الكريم: «الصلاة.. الصلاة».
وتابع قائلا: أما المحطة الثالثة من هذه الذكرى فهي أهمية المسجد الأقصى وواجبنا نحوه. فالمسجد الأقصى الذي كان قبلة المسلمين الأولى في صلاتهم وأصبح مسرى رسولهم ومعراجه إلى السموات العلى.. فما الإسراء بين مكة المكرمة والقدس إلا لبيان التلازم والترابط بين المدينتين وبين المسجدين لنحافظ عليهما. فمكة قبلة الأرض والقدس قبلة السماء فالتهديد للأقصى هو تهديد للمسجد الحرام وأهله.. فكما حافظ الصحابة ومن بعدهم حافظ المسلمون على هذين المسجدين علينا جميعا أن نحافظ عليهما..
وختم قائلا إنها دروس لكل صاحب همّ، صاحب قلب مكلوم أن لا يلتفت قلبه إلا للّه عزّ وجلّ. فالله يتولى أمره الذي قال: {أليس الله بكافٍ عبده}.
الشعراوي
من جهته، أكد مدرّس الفتوى الشيخ د. خليل إبراهيم شعراوي: يقول الله سبحانه وتعالى : {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله}، فحادثة الإسراء والمعراج يسميها المسلون ذكرى حادثة الإسراء والمعراج، فهي ذكرى حقيقية لا ينبغي لعاقل أن يتغافل عنها أو يتجاهلها، فهذه الذكرى قد جُمع فيها بين المادية العقلية وبين الروحية الإيمانية، وهي ذكرى قد ربطت الأرض في السماء، فيها فرضت الصلاة ورأى رسول اله صلى الله عليه وسلم ما رأى من أصحاب الخير أين يؤول أمرهم، والذي اتبعوا الشر أين سيكون مصيرهم.
وأَضاف: فعندما بلَّغ النبي صلى الله عليه وسلم قريشاً ما حدث معه لم يصدّقه إلّا القليل، وكيف يصدّقونه وهم الذين حجبتهم المادية عن رؤية الحقيقة الربانية، وأنّ الله هو القادر، نظروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنَّه بشر وغفلوا أنَّه الرسول المرسل من عنده سبحانه ليكون رحمة مهداة للخلق أجمع.
فحادثة الإسراء لا ينكرها إلّا من حد عقله بالمادية التي هي أقسى من الحجارة والتي لا تعرف بُعدا إلا بقياسات ملموسة، ولا تعلم أمراً إلا بتجارب محسوسة.
وهي ربط بين حقيقة أمر الأمة في عبادة ربها بمكة، إلى حقيقة بسط سلطانها الأكبر والذي لن يكون إلا بتحرير المسجد الأقصى، فإن جمعت الأمة بين مكة والأقصى فاعلم أنها بخير وإلا فهي في سقم كبير، كالرجل المريض الذي لا يستطيع الحراك، وهكذا الأمَّة منذ أن أضاعت الأقصى هي في سبات عميق، لا يتحركون بل يُحركون، ولا يخططون بل يُخطط لهم، ولا يفكِّرون بل يُفكَّر لهم، لا يعملون إلا بما أُذن لهم، هكذا حال الأمة لأنها فقدت الأقصى الذي ذكره الله في كتابه وأرسل رسوله إليه بطوي الأرض له وهو على ظهر البراق راكب ليتم سلطانه حيث أراد سبحانه، فذكرى الإسراء والمعراج هي ذكرى تجعل للعابد همّة، وللفقيه حكمة، وللحاكم أمل في نهضة أمَّة، وللعامة فرحة علَّها أن تنكشف الغمّة.
واختتم بالقول: ذكرى الاسراء والمعراج ليست كغيرها، إنَّها خرق للمادة وإثبات للعقل بنور الإيمان، هذا ما حدث مع أبي بكر رضي الله عنه حين أخبر بحادثة الإسراء فقال: إن هو قالها - أي النبي صلى الله عليه وسلم - فقد صدق فإنِّي أصدقه بخبر السماء أفلا أصدقه بخبر الأرض. فاللهم اجمع للأمة شملها بين مكة والأقصى حتى يعود العزّ وتعود الكرامة كاملة، ويستقيم الحال ونلقاك وأنت راضٍ عنّا مولانا رب العالمين. اللهم آمين.