بيروت - لبنان

اخر الأخبار

8 نيسان 2024 12:00ص الدعاة في وداع رمضان: دعوة للاستقامة على شرع الله بعد انقضائه

حجم الخط
ها هو شهر رمضان الكريم شارف على الرحيل، وفي القلب غصّة وفي العين دمعة... فبعد ثلاثين يوماً مكلّلة بالطاعة والعبادة والتقرّب إلى الله سبحانه وتعالى، يحزم أمتعته للرحيل، ولكن القلوب والأرواح ستظل تعيش بروحانيته...
كيف لا نحزن ونحن لا ندري هل سنستقبله في العام القادم؟ كيف لا نبكي ونحن نودّعه والقلب ينفطر على رحيله؟..
ولكن يجب أن لا ننسى أن تكون أيامنا كلها كروحانية هذا الشهر الكريم من صلاة وقيام وقراءة القرآن.. ماذا يقول العلماء في وداع هذا الشهر المبارك؟ وماذا يطلبون من المسلمين؟.. هذا ما سنراه في تحقيقنا التالي..


مزوق
بداية قال رئيس دائرة الفتاوى في دار الفتوى الشيخ وسيم مزوق: لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره، فقد أقسم ربنا في القرآن الكريم بالليالي العشر حيث قال في سورة الفجر {وليالٍ عشر}، قال المفسرون هي ليالي العشر الأواخر من رمضان وقيل العشر الأوائل من ذي الحجة، وتقول أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شدّ مأزره وأحيا ليله وأيقظ أهله». ففي كل ما ذكرنا يعلّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أمراً وهو أن نكثر من الطاعات وأن لا يصيبنا الفتور فيها.
وأضاف: فها نحن نودّع شهر رمضان، علينا أن نودّعه بالقيام لنتحرّى ليلة القدر، فقد أمرنا صلى الله عليه وسلم أن نلتمسها في العشر الأواخر من رمضان خاصة في الليالي الوترية، ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يعتكف في هذه العشر أي يلزم المسجد بحيث يتفرّغ من أعمال الدنيا إلى طاعة الله.
فليلة القدر أنزل فيها القرآن، فقال تعالى {إنّا أنزلناه في ليلة القدر}، ووصفها ربنا بأنها خير من ألف شهر، قال سبحانه وتعالى {ليلة القدر خير من ألف شهر}، وهي ليلة مباركة قال سبحانه في سورة «الدخان» {إنّا أنزلناه في ليلة مباركة} وتنزل فيها الملائكة والروح أي جبريل عليه السلام، فيكثر تنزّل الملائكة في هذه الليلة لكثرة بركتها، والملائكة يتنزّلون مع تنزّل البركة والرحمة ونزول جبريل عليه السلام خصّه بالذكر لشرفه، وسُمّيت ليلة القدر لأنها ذات قدر عند الله ومن يقومها يصبح ذا قدر عند الله، أي ذا شرف وهي سلام أي سالمة لا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوء أو أذى وفيها السلامة من العذاب بما يقوم به العبد من الطاعة، قال صلى الله عليه وسلم «من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدّم من ذنبه»، لذلك قال صلى الله عليه وسلم «تحرّوا ليلة القدر في الوتر في العشر الأواخر من رمضان». وهنا نعلم انها ليست خاصة بليلة السابع والعشرين بل ربما تكون في غيرها من الليالي الوترية، ونقول للأخوات اللواتي تكنّ في العذر الشرعي وتسألن: كيف نحيي هذه الليلة ولا نستطيع الذهاب إلى المسجد ولا نستطيع الصلاة؟ فنقول لهن تستطيعون إحيائها بالمنزل وأنتن تقومن بالذكر والاستغفار والدعاء، وهنا نذكر بالدعاء الوارد عن الحبيب صلى الله عليه وسلم فقال «اللهم انك عفو تحب العفو فاعفو عني».
وأضاف: وأذكّر جميع المؤمنين والمؤمنات ونحن نودّع رمضان بأن ندعو بالثبات، اللهم يا مقلّب القلوب والأبصار ثبّت قلوبنا على دينك، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد أن هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهّاب، لأن المؤمن عليه أن يكون ثابتاً على الطاعة في رمضان وخارج رمضان ولا ننسى الدعاء لاخواننا في فلسطين وفي غزة حيث الصمود والبطولة في غزة العزّة، فلنتعلّم منهم الصبر ونتعلّم منهم الحمد والشكر، فهم قدّموا الغالي والنفيس في سبيل الله، وهذا رأيناه في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث كانت الانتصارات والغزوات في رمضان كغزوة بدر الكبرى التي حصلت في 17 رمضان من السنة الثانية للهجرة، وفتح مكة التي حصلت في20 رمضان السنة الثامنة للهجرة فنسأله سبحانه وتعالى نصراً وأن يمدّهم بمدد من عنده.
وأختم قائلاً: لا بد أن نعلم ان الاختبار والامتحان الذي نحن فيه الآن في شهر رمضان تظهر نتيجته وثمرته بعد رمضان هل سنثبت على الصيام والقيام وغض البصر وحفظ اللسان والصدقات وسائر الطاعات التي نقوم بها؟ أم سنتوقف ونعود إلى ما لنا عليه قبل رمضان؟، فرب رمضان هو رب سائر الأشهر ولذلك نقول دائماً كونوا ربانيين ولا تكونوا رمضانيين، فلكل أخ وأخت ليكتشف الإرادة والعزيمة والقوة التي عنده في رمضان فليكمل بكل ذلك بعد رمضان وليكن من الفائزين الناجحين الذين نجحوا بالامتحانات في الدنيا والآخرة، وليكونوا من أهل الجنة بإذن الله.
اللهم ثبّتنا وانصرنا على أنفسنا بالسوء وارزقنا الصلاة في الأقصى محررة وأكمل فرحتنا بالعيد بنصر المؤمنين في غزة وفي فلسطين كلها.
البابا
في حين قال رئيس مركز الفاروق الإسلامي الشيخ أحمد البابا: الحمد للّه الذي خصّ هذه الأمة بالفضل وجعل رمضان شهر النصر والصبر وأكرم فيه المسلمين بفتح مكة وانتصار بدر، واختار منه أيام العشر وفضّلها الله بليلة القدر وجعل الطاعة فيها خير من ألف شهر، أنزل الله فيها القرآن وجعله كنزاً للمؤمنين وغنيمة للمسلمين.
وأضاف: وها نحن نودّع رمضان الشهر الكريم بعد أن أكرمنا الله تعالى فيه بعظيم الرحمات وكمال الفيوضات وجاءتنا فيه من الله تعالى أعظم الثواب واكتسينا أعظم الأجر، وهنا نحن اليوم نودّعه بهذه الأيام العشر لقد قطعنا أكثر شهر الصيام ولم يبقَ منه إلّا اليسير من الأيام، فلنحمد الله تعالى ان أكرمنا بالصيام وجعلنا من أهل القيام.
وها نحن نودّع الشهر الكريم وقد استقبلناه طول الشهر وكان أعظم ما يكون من الخير، فالله سبحانه وتعالى اليوم يهيّئ لنا الجائزة وهي عظيمة وجزيلة تأتي للمؤمنين في أواخر الشهر الكريم، فالنبي صلى الله عليه وسلم لما قال: أعطيت أمتي في رمضان خمساً لما يعطيهن نبي قبلي.. وكانت الخامسة منها انه إذا كان آخر ليلة من رمضان غفر الله لهم جميعاً، فيا لها من جائزة كريمة نودّع فيها الشهر الفضيل ونكتسب من الله تعالى مغفرته العظمى.
فيا عباد الله حافظوا على ما اكتسبتم في شهر رمضان مما أكرمكم الله تعالى فيه من فضائل ومكارم، فرمضان مدرسة إيمانية عظيمة تربّى فيها الإنسان أخلاقياً وسلوكياً وروحياً فلا تضيّعونها بعد رمضان بالعصيان واستقيموا على شرعكم العظيم، فمن حافظ على الصلاة في رمضان فلا يتركها بعد رمضان ومن حافظ على تلاوة القرآن في رمضان فلا يهجر كتاب الله بعد انقضاء الشهر الفضيل ومن كان سخيّاً كريماً في شهر رمضان فليبقَ على سخائه وكرمه بعد رمضان ومن حافظ على جوارحه فصانها عن الحرام فليبقَ على تقوى الله كما كان.
وأخيراً ها نحن نودّعك يا شهر الصيام، فماذا نقول والوداع أليم ونحن نودّع شهر الصيام بقلب حزين وبعيون دامعة، فقد أكرما الله تعالى فيه أعظم الاكرام ولكنها سنّة الحياة فلكل شيء زوال ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام، فوصيتي لكم يا عباد الله أن تكونوا ربانيين ولا تكونوا رمضانيين إذا انقضى الشهر الكريم فكونوا مستقيمين على شرع الله العظيم واسأل الله القبول فمن كان من المقبولين فاز في الدنيا وفاز في الآخرة.