بيروت - لبنان

اخر الأخبار

28 تشرين الأول 2019 12:02ص الدولة «وثن وهمي» يدعوننا لعبادته

حجم الخط
في دين الإسلام: الناس هم محل الاهتمام، والحاكم هو خادمهم، والمجتمع هو المركز الذي تدور حوله السلطة. ولذلك كان الحاكم عند المسلمین الأوائل یسمّى (أمیر المؤمنین) ولیس أمیر الدولة وكان یتلقّى بیعات الناس، لان البيعة هي عقد بینه وبین كل فرد في رعیته، والخزانة هي «خزانة المسلمین» أو «بیت مال المسلمین» ولیست وزارة مالية الدولة! والمصالح هي «مصالح المسلمین»، والأراضي هي «أراضي المسلمین» فمن أحيا أرضا مواتا فهي له... كل شيء مرتبط بالبشر وینسب للبشر، والبشر هم من يملكون الأرض والجمادات سُخّرت للأحیاء ولیس العكس!..

والمجتمع بكل أفراده هم محل الاهتمام، هم القوة، هم المركز, والله قد سخّر الكون وشريعته لخدمة الإنسان والحفاظ على ماله وعرضه ودمه في مقابل شرائع بشرية جعلت الزعيم وحاشيته هم المركز , وسخّر الحاكم شريعته لخدمته وخدمة حاشيته منتهكا أموال وأعراض ودماء عابدي الوطن والذين في حقيقتهم هم عابدون له.

في قريش كان الكاهن يقول لعابدي الصنم: ان الصنم يطلب منكم بقرة حتى يلبّي طلبكم!!! طبعا الصنم لا يتكلم ومن يريد البقرة ويستفيد منها هو الكاهن!! ولو قال الكاهن للناس أريد بقرة لي لما أعطاه إيّاها أحد, لذلك تكون الحيلة بإيجاد صنم يعبده الناس ويقدّسونه ويموتون في سبيله ويعظّمونه... ثم يتصدّر الكاهن الحديث بإسم الصنم. ويدعون الناس لتقديس الصنم وتعظيمه.. حتى إذا طلب من عابدي الصنم شيئا بإسم الصنم, دفعوه للكاهن وهم فرحون بل ينتظرون من الكاهن أن يخبرهم بأن الصنم قد تقبّل عطاءهم!!!

قبل الحرب العالمية الثانية.. وفي خطاب لهتلر قال أنه سيصنع للألمان إلها يعبدونه في الأرض بدل الله!! إنه الوطن الألماني.. في سبيله يموتون ومن أجل عزّته ورفعته يضحّون!!!

طبعا الوطن وثن معبود من دون الله كالصنم.. لا ينطق ومن يتحدث بإسم الوطن هم السياسيون الذين يمثلون الكهّان بالنسبة للصنم... وعندما يطلبون من الناس التضحية للوطن فهم إنما يطلبون من الناس التضحية من أجلهم ومن أجل بقائهم أسيادا على بسطاء الناس... والناس الذين يعبدون الوطن يفرحون.. يموت أحدهم في سبيل الوطن فيلقي عليه السادة لقب (شهيد الوطن).. بينما السادة لا يموتون في سبيل الوطن ولا يجعلون أبناءهم يموتون في سبيل الوطن.. لانهم هم الوطن.. ومن أجلهم يموت عبيد الوطن..

تسمع دائما كلمات ضخمة مثل (خزانة الدولة - ممتلكات الدولة - أراضٍ ملك للدولة - هیبة الدولة – رئیس الدولة) ویموت الجمیع كي لا تسقط الدولة.. ولا یوجد أحد یسأل: ما هي الدولة؟!..

ما هذا (المسمّى الاعتباري) المقدّس الذي تنسبون إلیه كل شيء؟ 

والذي من حقه أیضا أن یسلب منكم كل شيء: دینكم.. أرواحكم.. كرامتكم.. لقمة عیشكم!!

ما هذا الوثن المقدّس الذي تطلبون من الشعوب والمجتمعات أن تجوع من أجل أن یشبع هو؟ وأن نتقشّف من أجل أن ینعم هو؟؟ وأن تموت من أجل أن یعیش هو؟؟ وأن تُهان من أجل أن یحفظ هیبته؟

في الحقیقة: الدولة هي «وثن وهمي» تدّعيه مراكز القوة المغتصبة لسلطة الله, تدّعي وجوده حتى تتستر وراء اسمه، بینما في الحقیقة كلمة «الدولة» لا تعني عندهم إلا «السلطة» ومراكز القوة!!..

وحتى یتقبّل الناس فكرة الخضوع والإذعان لهم فهم یدّعون دائما أن كل ما یفعلونه لیس لأنفسهم وإنما من أجل الدولة. یأخذون أموالك ویسرقون حقوقك ثم یدّعون أنهم أخذوها لأجل أن یوفّروا أموالا للدولة، یهینونك شر إهانة ویستحلون دمك ثم یدّعون أنهم یفعلون ذلك حفاظا على هیبة الدولة، یستغلون الجنود في حفظ كراسیهم وسلطتهم ویزجون بهم في مواطن الموت ثم یدّعون أنهم یحمون الدولة!! 

إذ لو قالوها صراحة: (نحن نقتلك ونهینك ونسلب مالك لأجل سلطتنا) لما تقبّلها أحد! انها سياسة الاستعباد.. التي تجعل الناس بدون كرامة يلهثون وراء أصنام اخترعوها.. وجعلوا لها حرّاسا وكهنة يتكلمون بإسم أوثانهم.. عفوا أوطانهم ويستغلونهم عبيدا في معابد المهانة.