بيروت - لبنان

اخر الأخبار

4 حزيران 2020 12:00ص الشيخ القاضي زكريا غندور حياة مليئة بالعطاء

حجم الخط
من الصعب أن تذكر محلة الطريق الجديدة، العريقة في تراثها الوطني العروبي الإسلامي إلا وتذكر مسجد الإمام علي بن أبي طالب (ع) معقل العديد من الاعتصامات والمناسبات ومنطلق العديد من المسيرات المرتبطة بقضايا الأمة، وحاضن العديد من الصلوات على رموز كبيرة بدءاً من جنازة أول شهيد لبناني في الثورة الفلسطينية خليل عز الدين الجمل، الى المفتي الشهيد الشيخ حسن خالد، وصولاً الى العقيد الشهيد نور الدين الجمل الذي استشهد في مواجهة الإرهابيين في عرسال الى قادة فلسطينيين كبار كابي ماهر اليماني، وعبد الكريم قيس (أبو عدنان)، وشفيق الحوت، وكمال مدحت..

ومن الصعب أن تذكر هذا المسجد المبارك إلا وتذكر الشيخ الراحل القاضي زكريا غندور الذي عرفه المسجد على مدى أربعين عاماً، إماماً وخطيباً وراعيا وقلباً مفتوحاً لكل أوجاع أبناء العاصمة التي انتمى إليها روحياً وعاطفياً بعد أن جاء إليها شاباً متوثبا من بلدته الروضة في البقاع الغربي...

وأن أنسى لا أنسى، كيف ان الشيخ الراحل زكريا غندور كان يفتح باحات المسجد لكل اعتصام من أجل نصرة فلسطين وأسراها، ومساندة العراق بوجه الحصار والحرب عليه، بل يخصّص خطبته لموضوع الاعتصام بل لتشييع كل شهيد لبناني أو فلسطيني أعطى حياته ودمه من أجل بلاده...

في كل مناسبة اجتماعية كنت التقي به، كان حديثنا يعود الى ما كان يسمّيه أيام العز العربي والإسلامي، لا سيّما في زمن عبد الناصر والثورة الفلسطينية...

ويوم تمّ اغتيال المناضل اللبناني – الفلسطيني سمير الشيخ وعائلته في منزله في راس بيروت عام ١٩٨٦، وكان الفلتان الميليشاوي في بيروت يملأ جو العاصمة ذعراً وخوفاً من إرهاب تلك الميليشيات، فتح الشيخ المجاهد زكريا غندور قاعة المسجد لإحياء ذكرى الثالث للشهيد المغدور وأفراد أسرته (رحمهم الله)، ولم يحضر يومها إلا قلّة بينهم الشيخ الراحل مروان قباني (رحمه الله)، وكان لا يقلّ شجاعة ووطنية وإيماناً عن الشيخ زكريا، والأخوة الأعزاء مأمون مكحل، المحامي أسامة العرب، راجي الحكيم، يحيي المعلم، وعدد من أعضاء جمعية شبيبة الهدى...

واليوم إذ تودّع بيروت، ولبنان كله، الشيخ الجليل بعد مرض عضال أصابه، انما تكرّم في وداعه قِيماً وطنية وعربية ووحدوية وأخلاقية وإيمانية كبرى، تماماّ كما كان الأمر قبل أسبوع مع رحيل قاضٍ آخر هو الشيخ العلّامة الدكتور يحيى الرافعي...

رحم الله الشيخ زكريا غندور الذي يختصر في حياته المليئة بالعطاء، حكاية بيروت، بل حكاية الوطن كله بكل آماله وآلامه، بل أوجاعه وجهاده، يجسّد في سلوكه معانٍ متعددة أبرزها العطاء من أجل الإنسان، والكفاح من أجل الوطن...