بيروت - لبنان

اخر الأخبار

7 حزيران 2019 12:37ص العُلماء في عيد الفطر السعيد: نحتاج إلى تفعيل المعاني الطيِّبة حتى نكون من المسلمين المؤثِّّرين والمصلحين

حجم الخط
ها قد مرَّت الأيام وانقضت نفحات شهر رمضان المبارك، ولكن للأسف هناك من لا يعرف خطورة الإحسان الى الجيران والمستضعفين وكذلك التسامح والإيثار، من هنا تأتي أهمية التنبيه الى ضرورة معالجة هذه الأمراض الإنسانية الأكثر انتشارا في مجتمعاتنا الإسلامية حيث أفسدتها الماديات والمشاجرات والمشاحنات حتى ان البعض يباهي بأنه قاطع أحد أرحامه منذ عشرات السنين في حين لا يعرف الآخر اسم جاره منذ سنوات.. ويقسم ثالث انه لن يحسن الى فقير أو يسامح من يخاصمه.

فما الذي جرى للجيران ولماذا تبدّلت أخلاقهم حتى صاروا أشدّاء على أنفسهم وأعداء لبعضهم البعض..؟!

لماذا بات أحدنا يسكن في بيت لا يعرف من جاره وما أحواله وما أوضاعه وما الذي يحتاجه..؟!

غندور

{ في البداية يوضح الشيخ القاضي زكريا غندور نظرة الإسلام إلى «الرحم والجار والمستضعفين» كلها رحمة وإيثار فمثلا لا بد أن نوضح أن الأرحام هم الأقارب من النسب من جهة الأم والأب.

وهذه أوامر دينية ليست اختيارا ولهذا يثاب فاعلها ويأثم تاركها، فمثلا قال الله تعالى في الأرحام: {وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} ووصل حثّ الإسلام على صلتها الى أن الرسول صلى الله عليه وسلم ربط بينها وبين الإيمان فقال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه».

وقال: إن الإمام النووي أجمل في توصيف صلة الرحم حين قال: «هي الإحسان إلى الأقارب على حسب الواصل والموصول» فتارة تكون بالمال، وتارة تكون بالخدمة، وتارة تكون بالزيارة والسلام وغير ذلك. وهذه الصلة للرحم واجبة حتى مع من قطعوك. فعن أبي هريرة أن رجلاً قال: يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني، وأحسن إليهم ويسيئون إليّ، وأحلم عليهم ويجهلون عليّ. فقال النبي: «إن كنت كما قلت فكأنما تسفهم الملّ. ولا يزال معك من الله ظهير ما دمت على ذلك».

خطاب

{ أما الشيخ علي خطاب، إمام وخطيب مسجد عبد الرحمن بن عوف، فقال أن صلة الرحم والاحسان الى الجيران والفقراء والتسامح من أسباب مغفرة الذنوب وليس هذا من قبيل المبالغة بل انه حقيقة، فقد روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أتى النبي رجل فقال: إني أذنبت ذنباً عظيماً، فهل لي توبة؟ فقال النبي: هل لك من أم؟. قال: لا. قال: فهل لك من خالة؟ قال: نعم. قال: فبرّها» . كما أن صلة الرحم سبب لزيادة الرزق وطول العمر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من سرّه أن يمدّ له في عمره ويوسّع له في رزقه ويدفع عنه ميتة السوء فليتق الله وليصل رحمه وذلك لأن صلة الرحم من أحب الأعمال إلى الله تعالى.

وأوضح ثواب من يصل رحمه وعقاب من يقطعها قائلا: روى عن رجل من خشعم قال: أتيت النبي وهو في نفر من أصحابه فقلت: أنت تزعم أنك رسول الله؟ قال: نعم. قال: قلت: يا رسول الله أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: الإيمان بالله. قال: قلت يا رسول الله ثم مه؟ قال: صلة الرحم. قال: قلت يا رسول الله أي الأعمال أبغض إلى الله؟ قال: الإشراك بالله. قال: قلت يا رسول الله ثم مه؟ قال: ثم قطيعة الرحم، وبالتالي فإن صلة الأرحام سبب لدخول الجنة والنجاة من النار.

وأنهى كلامه محذّرا قاطع الرحم أو مسيئا لجاره او رافضا للتسامح والعفو بأنه لن يدخل الجنة حتى إن أتى بكل الطاعات لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن الخمر وقاطع الرحم ومصدق بالسحر».

الخانجي

{ وأشار الشيخ محمد الخانجي، إمام وخطيب مسجد قريطم، أنه يمكن للإنسان أن يصل أرحامه او يحسن الى جيرانه بأمور متعددة وليس شرطا أن تكون مكلفة ماديا فيمكن أن تكون بزياراتهم أو الإهداء إليهم قدر الاستطاعة. وكذلك السؤال عنهم وتفقّد أحوالهم والتصدّق على فقيرهم والتلطّف مع غنيهم واحترام كبيرهم وكذلك باستضافتهم وحسن استقبالهم ومشاركتهم في أفراحهم ومواساتهم في أحزانهم والدعاء لهم وسلامة الصدر نحوهم وإجابة دعوتهم وعيادة مرضاهم ودعوتهم إلى الهدى والطاعة وكل ما فيه خير الدين والدنيا وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر.

وأوضح أنه ربما كان الجار في حالات كثيرة أقرب من ذوي الرحم وأكثرهم إعانة له من أقاربه وأصهاره لأن أهل البيت حين يفاجئون بمشكلة أو تحل بهم نازلة ويحتاجون فيها إلى إغاثة عاجلة فإنهم يهرعون مباشرة إلى جارهم بحكم قربه منهم وملاصقة داره لدارهم ولهذا فإن هذه الحقوق العظيمة التي أهملها كثير من الناس اليوم وانشغلوا عنه بخصوصياتهم وحب ذواتهم وقعدوا عن القيام به بسبب أثرتهم وأنانيتهم ولم يرعوه حق رعايته بسبب جهلهم وضعف إيمانهم وتربع الدنيا على قلوبهم، فأصبحوا لا يعيشون إلا لأنفسهم ولا يهمهم إلا مصالحهم غير مكترثين بما يجب عليهم تجاه أقاربهم وإخوانهم وجيرانهم. فماتت فيهم عواطف الأخوة والمحبة واختفت في نفوسهم أخلاق السماحة والنجدة وخلت قلوبهم من المعاني الإنسانية الجميلة، وربما حملهم حب الدنيا والمنافسة على حطامها على إيذاء جيرانهم وظلمهم والاعتداء على مصالحهم وظلمهم وأكل حقوقهم.

بيطار 

{ أما الشيخ علي بيطار، إمام وخطيب مسجد الخضر، فقال: مع ختام الشهر الكريم نستشعر ما يشعر به الإنسان عندما ينزل عليه ضيف كريم‏,‏ وقضى عنده أياما‏,‏ ثم آذن بعدها بالرحيل‏,‏ إن الشعور هو شعور السعادة والرضا‏,‏ وشعور الأنس والبهجة‏,‏ وشعور الاعزاز والتكريم‏,‏ ثم مع قرب الرحيل تتوالى على النفس تلك المشاعر التي تكون عند كل فراق‏,‏ فمع شعور الوحشة‏,‏ وشعور افتقاد الضيف بعد الرحيل يأتي شعور الشوق إلى تجدّد اللقاء بعد ذلك مرات ومرات‏,‏ كما يأتي شعور الرجاء كأن يحمل الضيف معه ما ينبغي أن يحمله من الرضا‏,‏ وألا يستشعر شيئا من التقصير معه‏,‏ وهكذا الأمر بالنسبة للصائم الذي تقبّل الله صيامه وقيامه‏,‏ إنه يشعر بكل هذه المعاني‏,‏ ويدعو الله عزّ وجلّ أن يكون له مع الشهر الكريم لقاء ولقاء‏,‏ وهذا الشعور وهو أول دلائل القبول عند رب العالمين‏,‏ ولن يتأتي هذا الشعور إلا إذا كان الصائم قد أدّى صومه على النحو المطلوب المقبول‏.‏

لقد علّمنا النبي صلى الله عليه وسلم ان رب رمضان هو رب سائر الشهور والأعوام‏,‏ وإذن فليس من المعقول أن تكون الثمرات التي نجنيها من أداء فريضة الصيام مقصورة على هذه الأيام فالهدف مستمر‏,‏ والغاية متصلة‏,‏ وما شهر رمضان إلا مرحلة إعداد لرحلة أخرى اختيارية تأتي مع نهاية شهر رمضان وبداية الشهر الذي يليه‏,‏ فشهر رمضان هو شهر التزوّد لسائر الشهور‏.‏

إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يودّع الشهر الكريم وداعا يستغرق العشر الأواخر من أيامه‏,‏ حيث كان يجتهد في العبادة‏,‏ ويزيد من مظاهرها اعتكافا وتعبّدا وتلاوة لكتاب الله تعالى‏,‏ وكان ذلك بمثابة الإحياء الكامل‏,‏ والاحتفال الكامل وداعا للشهر المبارك‏.

فيا كل مسلم ومسلمة.. تخلّقوا مع جيرانكم بأفضل الأخلاق ليس فقط في رمضان بل في كل وقت وحين، فنحن نعبد الله تعالى ونلتزم بما أمر في كل العام.