الحج شعيرة من شعائر الله تعالى، تلزم المحرم به بكثير من التكاليف الشرعية الزائدة على التكاليف التي يلزم بها من لم يحرم بالحج، فالمحرم يلتزم بالإحرام من الميقات وفي وقت معيّن، وأن لا يلبس مخيطا أو محيطا ببدنه إن كان رجلا، ولا يغطّي وجهه أو رأسه بلباس، كما تلتزم المرأة بعدم تغطية وجهها أو يديها بما يسترهما، ويلتزم المحرم من الجنسين بعدم وضع الطيب أو استعمال ما فيه طيب في البدن أو الثياب، كما يمنع من الجدال والمراء والخلاف والرفث والفسوق، ونحو ذلك، بمجرّد إحرامه حتى يتحلّل منه..
هذا التكليف يولد لدى المحرم إلتزاما بعدم مخالفة ما ألزمه به الشارع، وإلا كان مخالفا فيلزمه فدية، وحتى إذا لم يفسد حجّه فقد لا يكون حجّه مقبولا عند الله سبحانه، وهذا الإلتزام شبيه بإلتزام المسلم بالإمتناع عن المفطرات خلال نهار صومه ولو كان طويلا صائفا، والتزامه بالإستيقاظ لأداء الصلاة ولو عند شدّة البرودة، وإلتزامه بمراقبة الله تعالى في كل أعماله وسلوكه، وهذا كفيل أن يولد لديه التزاما إسلاميا في كل شؤون حياته، فحياة المسلم إلتزام كامل بالتكاليف الشرعية في جانب الأوامر أو النواهي، ليكون مسلما طائعا لخالقه، والحج ولادة أخرى لمن أدّى مناسكه كما شرّع الله تعالى، وإلتزم بما ألزمه الشارع فيه، حيث يعود الحاج من حجّه نقيّا من ذنوبه وخطاياه، كما يفيد حديث: «من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كما ولدته أمه»، وليتصوّر المسلم العائد من أداء مناسك الحج أن صفحة ذنوبه صارت نقيّة، فليحرص على أن تظل كذلك، ولا يكون هذا بالأماني أو الانخراط في الأعمال المشبوهة التي يداوم عليها بعض من ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا، وإنما ينبغي أن يعمل على أن تظل صفحة سيئاته نقيّة، وأن يزيد من عمله الصالح، بحسبان أنه سبب رضوان الله تعالى على العبد، قال تعالى: {والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون}، وأن يجتهد قدر استطاعته أن لا يكون إلا في طاعة خالقه ما تبقّى له من عمره، وأن يعيد النظر في سلوكه مع غيره، والنهج الذي كان يتبعه في كسب عيشه، وتعامله مع الناس، ليفعل من ذلك ما فيه مرضاة الله سبحانه، ولا ينبغي أن يظن ظان أن بوسعه معصية الله تعالى ردحا من الزمن، ليذهب بعدها لأداء الحج فتمحى عنه الذنوب والسيئات، ثم يعود بعد حجه إلى ما كان عليه من الضلال، إذ لا يُعد الحج ماحيا للذنوب بمجرده، إلا في حق من عقد العزم مع نفسه، وعاهد ربه على مداومة الطاعة بعد أداء المناسك، وجاهد نفسه لإثنائها عن ميلها لفعل السيئ من العمل، فمن فعل ذلك كان قمنا أن يغفر الله له، وأن تمحى ذنوبه ليعود من حجّه كيوم ولدته أمه.
حامد شعبان – داعية مصري