بيروت - لبنان

اخر الأخبار

20 حزيران 2023 12:00ص العلماء مع بدء شهر ذي الحجّة: أيام اجتمعت فيها أنواع العبادة من حج وصدقة وصيام وصلاة وذبح

حجم الخط
إن للّه تعالى نفحات على عباده تتجلَّى في أوقات وأماكن يختارُها المولى جلّ شأنه ويصطفيها ترغيباّ في الطاعة ومُضاعَفة للثواب، حتى يزداد الناس حبّا للّه واستقامةً على سبيل الرشاد، من هذه النفَحات عشر ذي الحجة، من أول شهر ذي الحجة إلى اليوم العاشر منه وهو المسمّى يوم النحر أو عيد الأضحى.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  كما رواه البخاري: «ما من أيام العمل الصالح فيها أفضلُ منه في هذه العشر - يعني العشر الأوائل من ذي الحجة - قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلّا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء»، فالرسول الكريم يدعونا إلى مَزِيد من العمل الصالح وفعل الخير والبر والمعروف لأن العمل في هذه الفترة الزمنية له ثواب كبير ومنزلة عظيمة عند الله تعالى، فالمسلم بعد وفائه بفرائض الدين وأركانه التي يتحتَّم عليه أداؤها والقيام بها يستزيد من نوافل الصلاة والصيام والصدقة وصلة الرحم ومساعدة المحتاجين ومساندة البؤساء وكفالة اليتامى وتفريج هموم المكروبين.

الكردي

{ بداية قال القاضي الشيخ أحمد درويش الكردي: إنها أيام طاعة وعبادة وذكر, وتآلف وتعاطف بين جميع المسلمين.. من كانوا يؤدّون فريضة الحج, ومن كانوا فى أوطانهم, وحيث إن الأيام العشرة أيام عبادة وطاعة, وفيها من العطاء المتبادل بين المسلمين ما فيها, كما أن فيها من الألفة والمودّة والتعاطف ما فيها, مما يستوجب على كل الموحّدين أن يقدّروا عظمة هذه الأيام, وما فيها من حرمة ومنزلة, ومن مودّة ووفاق, فتكون الأيام الكريمة دعوة حق ونداء صدق, أن يثوب الجميع إلى رشدهم, وأن يتوبوا إلى ربهم, وأن يكونوا متحدين كالبنيان المرصوص يشدُّ بعضه بعضا.
وأضاف: وبعدها يكون العيد.. وللأعياد في الإسلام منزلة كريمة, وأهمية عظيمة.. إنها تمثل فواصل زمنية بين العبادات, وتعمل على تصفية القلوب, ونقاء الضمائر, وانتشار الألفة والمحبة بين الناس، وتتجلّى إشراقاتها على المجتمع الإسلامي فإذا بهم يزدادون حبّاً ومودّة, ويتم التواصي بينهم وبين أرحامهم, ويألفون ويؤلفون، وقد ارتبطت الأعياد في الإسلام بالعبادات, فعيد الفطر يأتي عقب فريضة الصيام, وعيد الأضحى يأتي مع عبادة الحج إلى بيت الله الحرام, فيكبّر الناس ربهم على ما هداهم إليه من عبادات وطاعات.
وشرّع الإسلام صلاة العيد وجعل في كل عيد عطاء من الأخ لأخيه, وأهله وذويه, ففي عيد الفطر يقدّم زكاة الفطر للمحتاجين طهرة للصائم من الغلو والرفث, وطعمة للمساكين, وفي عيد الأضحى يذبح من كان قادرا أضحيته ويبعث بها إلى الأهل والفقراء والمحتاجين, وهذه الأضحية يغفر الله تعالى ذنوب صاحبها عند أول قطرة من دمائها.
وكانت الأضحية سنّة مؤكّدة, تحيي ذكرى فداء إسماعيل عليه السلام, حين رأى إبراهيم عليه السلام في المنام أنه يذبحه, وقال لابنه: فانظر ماذا ترى؟ فأجابه قائلا: يا أبت افعل ما تؤمر, فلما أسلما وتله للجبين, أي ألقاه على جبينه حتى لا ينظر إليه فتتأثر العاطفة, ناداه ربه: {يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا, إنا كذلك نجزي المحسنين, إن هذا لهو البلاء المبين وفديناه بذبح عظيم}، فكانت الأضحية سنّة مؤكّدة, وكانت إحياء لتلك الذكرى, وفي الوقت نفسه إطعاما للأهل والمحتاجين, وتوسعة على الأهل, وعلى العباد.
وهي الأيام التي أقسم بها رب العزّة سبحانه وتعالى لعظمتها ومكانتها حيث قال الله تعالى: {والفجر وليال عشر والشفع والوتر والليل إذا يسر هل في ذلك قسم لذي حجر}. وهذه الأيام العشرة يتفق فيها عامة المسلمين مع ضيوف الرحمن الذين يؤدّون فريضة الحج, ونلاحظ التوافق والتوازن بين عبادات الحجاج وعبادات غيرهم, إن الحجاج يقفون على عرفات وليس لهم أن يصوموا, ليتفرغوا للذكر والتلبية والدعاء, بينما غيرهم من القادرين المقيمين في أوطانهم يصومون يوم عرفة, وهو في حقهم سنّة, ولصيامه فضل كبير حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفّر السنة التي قبله والسنة التي بعده». ويوم عرفة هو اليوم الذي يتجلّى فيه رب العزّة سبحانه وتعالى برحماته, ويباهي بأهل الأرض أهل السماء, ويقول لملائكته: انظروا إلى عبادي جاءوني شعثا غبرا ضاحين من كل فجّ عميق يرجون رحمتي, ويخافون عذابي, أشهدكم يا ملائكتي أني قد غفرت لهم. وإذا كان ضيوف الرحمن يذبحون هديهم, فإن إخوانهم في بلادهم يذبحون أضحيتهم, وإذا كان الحجاج يلبّون, فإخوانهم في بلادهم يكبّرون.

شحادة

أما القاضي الشيخ حسن الحاج شحادة فقال إن الحكمة في تخصيص عشر ذي الحجة بهذه المزية اجتماع أمهات العبادة فيها الحج والصدقة والصيام والصلاة والذبح والذكر ولا يتأتى ذلك مجتمعا في غيرها ثم أنها من الأشهر الحرم التي حرّم الله تبارك وتعالى الظلم فيها: فلا تظلموا فيهن أنفسكم. ولحديث: إن لربكم في أيام دهركم نفحات, ألا فتعرضوا لها, فعطاء الله تعالى لا ينقطع عن عباده, فبين الحين والآخر تظهر مواسم الخير وتفتح أبواب الرحمات, إنها حقا تجليّات مقرّبات يصيب بها من يشاء من عباده, وذلك بتطهير القلب وتزكيته عن الخبث والحقد والحسد والأخلاق المذمومة, وعلى العاقل أن يطلب الخير في مواطنه, فمن داوم الطلب يوشك أن يصادف وقت الفتح فيظفر بالغنى الأكبر ويسعد السعد الأفخر.
وإذا كنت بمن فاتك الحج هذا العام فإن الله تعالى أتاح لك فرصة وفتح لك بابا من أبواب الخير تلجّ منه إلى رحاب الخير والغفران, وذلك بمضاعفة الأجر والثواب والرحمة والغفران في هذه الأيام المباركة التي يعدل العمل فيها عمل الجهاد في سبيل الله تعالى. وعن كيفية حصول من لم يحج على أجر الحج.
مشدّدا على إن المسلم يحصل على ثواب الحج وهو في مكانه كأن يكون على نيّة دائمة إذا استطاع الحج فإنه سيحج, كما يكون عنده شوق لرؤية الكعبة وزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم , وجميع المشاهد والمناسك, ويعيش بقلبه مع الحجاج, ويتخلّق بأخلاق الحج فلا يفسق ولا يلغو ولا يجادل في موسم الحج, وأن ينوي الأضحية إذا كان قادرا وإذا نوى أن يضحّي فلا يقلّم أظافره ولا يحلق شعره حتى يذبح الأضحية وأن يكون على خلق كأنه في البيت الحرام وبهذا يمكن للإنسان أن يحصل على أجر الحج وهو في بيته.