إن أيام العيد أيام فرح وسعادة وسرور وتواصل وصلة أرحام.. ولكنها قبل هذا كله هي أيام عبادة يظهر المسلم من خلالها فرحه بالطاعة .. طاعة للمولى تعالى، وبالتالي فإن الفرح أيام العيد هو أولا عبادة لله تعالى واقتداء بسنة النبي عليه الصلاة والسلام وسيرة السلف الصالح.. ولذا قال الله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِى الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ. قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}..
نعم .. كلنا ندرك وبوضوح تام أن الأجواء في البلاد العربية كلها مشحونة.. والأوضاع مضطربة .. والشوارع تفتقد للبهجة ... ولكن الفرح بالطاعة طاعة ... كما أن الفرح بالمعصية معصية..
ونحن في هذه الأيام المباركة بأشد الحاجة إلى «الفرح التعبدي» لأنه الطريق إلى النجاة من كل المآسي التي نعاني منها في هذا البلد...
نريد أن نفرح لأن الله أمرنا بالفرح ..
نفرح لأن الفرح في هذه الأيام سنة عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
ولكن في الوقت عينه نشعر بالآخرين ونتشارك معهم الهموم والمسؤوليات.
إن العيد - أيها القراء الكرام- ليس مناسبة تخضع للظروف والأحوال، وليست أياماً تابعة للمزاج العام للإنسان أو للمجتمع، كلا... إنها أيام تعبد وطاعة، تماما كأيام رمضان المبارك، فهل إن جاء يوم عرفة في موسم فيه من القتل والظلم والقهر والتخاذل ما فيه، علينا نقول الظروف غير مناسبة ولا نحج..؟!
كذلك الأمر بأيام العيد لا نقول الأيام غير مناسبة ... ولكن على أقل تقدير نفرح أبناءنا وأطفالنا حتى يشعروا بأهمية وقيمة هذا العيد الذي ارتضاه المولى لنا عيدا.
ثم .. وهذا الأهم... علينا أن ننزع تلك الأفكار الخاطئة التي استقرت في أذهان كثير منا والتي أيضا لا علاقة لها بالفكر الصحيح، فالعيد فرح للكبار وللصغار، للذكور وللإناث، وليس أبدا من صحيح الإسلام أن نرى البعض يردد بكل إصرار (العيد للأطفال وليس لنا...؟!).. العيد فرح باكتمال العبادة بفضل الله، فمن الذي أكملها ... الأطفال الذين لم يكلفوا بعد أم أنت..؟!
لقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن يوم عرفة ، ويوم النحر ، وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام وهي أيام أكل وشرب»، و الأكل و الشرب دليل فرح وسعادة، وورد عن وائلة بن الأسقع قال لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عيد فقلت: تقبل الله منا ومنك، قال : « نعم , تقبل الله منا ومنك»... وهل تكون التهنئة إلا بالفرح..؟!
إن عيد الأضحى موسم فرح وسعادة وسرور وبهجة وحبور وتفاؤل، وكل هذا إنما ينبع من قلب مؤمن استمسك برحمة الله، وتأمل بعفو تعالى، وأمل برحمة من وعده بالأجر العميم إذا ما أخلص النية وصام وقام إيمانا واحتسابا..
العيد فرح لمن فرح بصيامه وسعادة لمن سعد بقيامه وطاعته.. فافرحوا وفرحوا من حولكم وأعلنوا الفرح «فرح عبادة»... وكل عام وأنتم بخير...
الشيخ بهاء الدين سلام
يستقبل المسلمون عيد الأضحى المبارك، بعد انتهاء فريضة الحج تلك الفريضة التي تهذب نفوس المسلمين، وتسمو بهم وبأرواحهم في معالي الأعمال الصالحة والخير والطاعة ليكونوا أمة واحدة .
وعيد الأضحى ثاني أعياد المسلمين، يحتفل فيه المسلمون في اليوم العاشر من أيام شهر ذي الحجة، وهو يوم فرح وسرور، وأفراح المؤمنين في دنياهم وأخراهم إنما هي بفضل مولاهم كما قال الله: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}.
وعيد الأضحى المبارك عبادة سنوية سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم في السنة الثانية من الهجرة إحياء لسنة وملة أبينا إبراهيم عليه السلام، فهي من جهة عبادة قديمة عرفتها عدة أمم سابقة من أجل التعبد والتقرب إلى الله تعالى، ومن جهة أخرى فهي فرصة للترويح عن النفس بما ينسجم ومقتضيات الشريعة الغراء.
وعيدالاضحى دينيا وإنسانيا مناسبة عظيمة ينبغي أن تحظى بالاهتمام اللائق من قبل المسلمين بمختلف طبقاتهم. فهو أعظم بكثير مما يبدو لأول وهلة حين نمارسه على أنه مناسبة سنوية يختلط فيها أحيانا المقدس بالمدنس.
ويكفي في إظهار عظمة هذه المناسبة الدينية أن سورة الكوثر تضمنت نصا يؤسس لهذه العبادة من الناحية الشرعية علما أن هذه السورة العظيمة تعتبر من أعظم السور التي تؤكد على العطاء الرباني الوفير الذي أفرد به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعليه، فينبغي للمسلمين أن يحسنوا استغلال هذه المناسبة من أجل تجديد العلاقة مع الله تعالى ومع عباده والرقي بها إلى المستوى المطلوب خاصة في هذه الأيام المباركة؛ إذ معلوم أن قيمة العبادة في الإسلام تزداد بحسب المكان والزمان والكيفية التي أديت بها.
البعد الإنساني
الشيخ علي أبو مرعي قال بداية أن في العيد تتجلى الكثير من معاني الإسلام الاجتماعية والإنسانية، ففي العيد تتقارب القلوب على الود، ويجتمع الناس بعد افتراق، ويتصافون بعد كدر. وفي العيد تذكير بحق الضعفاء في المجتمع الإسلامي حتى تشمل الفرحة بالعيد كل بيت، وتعم النعمة كل أسرة.
وتابع: أما المعنى الإنساني في العيد، فهو أن يشترك أعدادٌ كبيرة من المسلمين بالفرح والسرور في وقت واحد فيظهر اتحادهم وتُعلم كثرتهم باجتماعهم، فإذا بالأمة تلتقي على الشعور المشترك، وفي ذلك تقوية للروابط الفكرية والروحية والاجتماعية.
وقد رخص النبي محمد للمسلمين في هذا اليوم إظهار السرور وتأكيده، باللعب واللهو المباح، بل إن من الأحاديث ما يفيد أن إظهار هذا السرور في الأعياد شعيرة من شعائر هذا الدين.
ورُوي عن عائشة قالت: إن أبا بكر دخل عليها والنبي عندها في يوم فطر أو أضحى، وعندها جاريتان تغنيان بما تَقاوَلَت به الأنصار في يوم حرب بُعاث، فقال أبو بكر: أمزمار الشيطان عند رسول الله! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «دَعْهما يا أبا بكر؛ فإن لكل قوم عيدًا، وإن عيدنا هذا اليوم».
ورُوي عن أنس قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ولأهلها يومان يلعبون فيهما، فقال: «قد أبدلكم الله بهما خيرًا منهما؛ يوم الفطر ويوم الأضحى».
البعد الاقتصادي
أما الشيخ غسان اللقيس فتحدث عن البعد الاقتصادي للعيد فقال أنه في غاية الأهمية حيث نجد في الأعياد ازدهاراً اقتصادياً ناتج عن الإنفاق وازدهار العملية التجارية نتيجة الإقبال على عمليات الشراء والبيع، والانتقال والسفر إلى أماكن أخرى للسياحة في هذه الأيام.
كما يساهم العيد في إنعاش العملية الاقتصادية من خلال زيادة الإنفاق حيث شراء الملابس الجديدة للأهل والأبناء والألعاب الجديدة، كذلك الإغداق على الأهل في هذه الأيام في المأكل والمشرب من أجل إدخال البهجة والسرور عليهم، فهذه الأيام أيام أكل وشرب ومرح وسعادة وسرور وبهجة فيما أحل الله سبحانه وتعالى. كذلك على المسلمين في هذه الأيام اجتناب كل ما من شأنه أن يغضب الله عز وجل، ويسارع المسلمون في هذه الأيام باغتنام مواسم الطاعة في صلة الأرحام وصلة ذوي القربى والتصدق على الفقراء والمحتاجين والتوسعة على الأهل والأبناء والإحسان إلى الجيران.
كذلك على المسلمين بعد شهرالحج وبعد عيد الأضحى أن يداوموا على الطاعات والخيرات وألا يغفلوا عن هذه الأعمال الصالحة، ويداوموا عليها، وأن يستثمروا مواسم الطاعة هذه لتكون ديدن المسلمين طوال العام، ويتنافسون في الطاعات والخيرات وأبواب البر والصلاح، حتى يسعدوا في دنياهم وأخراهم.
البعد الاجتماعي
أما الشيخ إبراهيم الحوت فقال عن البعد الاجتماعي للعيد: تتجلى الآثار الاجتماعية لعيد الفطر في صلة الأرحام والتزاور، وصلة ذوي القربى، فنتيجة انشغال الناس هذه الأيام بمشاغل العمل والحياة، أصحبت صلة الأرحام عملة نادرة، ويأتي عيد الفطر ليجدد هذه السنة الطيبة، لما لها من أثر طيب في التقارب بين الناس والعائلات وإدخال البهجة والسرور على الجميع، وخاصة كبار السن، الذين يسعدون بزيارة أهلهم لهم، وزيارة أبنائهم وأحفادهم في هذه الأيام المباركات.
كذلك يتجلى البعد الاجتماعي للعيد في التراحم بين المسلمين في هذا اليوم، حيث يسعى الغني على إدخال البهجة والسرور على الفقراء من خلال الصدقات والهدايا، كذلك يزيد الإنفاق في هذه الأيام على أصحاب الحاجات وذوي القربى.
وقال: يعتبر عيد الأضحى كما عيد الفطر فرصة لا تدانيها فرصة لكي يستثمرها الناس في بر الوالدين وصلة الأرحام وإكرام الجار، بمبادلة الزيارة والمعايدة والتهنئة وغيرها من مظاهر الفرحة، كما فيه فرصة عظيمة لإصلاح ذات البين، وإزالة ما زرعه الشيطان في قلوب المتخاصمين والمتنازعين من حواجز البغضاء والفتن، فكلمة تهنئة واحدة في العيد قد تزيل تلك الحواجز، وتداوي الكثير من الجراح بين المتخاصمين، من الأصحاب والأزواج والعائلات والأسر، وترسل على العلاقات التي أصابها الجفاف قطرات من ندى المحبة، تعيد لها الحيوية والنشاط.
وأضاف: أما عن البعد الثقافي في الأعياد فيتجلى في بعض العادات التي تميز بعض المجتمعات عن غيرها، في مصر مثلا تجد موروثات ثقافية في الأعياد تظهر في أنماط معينة من الأطعمة، كالرقاق مثلا، بينما في أماكن أخرى تجد أنواعاً أخرى من الأطعمة والمشروبات حسب البعد الثقافي والموروث الثقافي، الذي يتجلى في هذه الأيام الطيبة.
تحقيق: منى توتنجي