تستضيف العاصمة المصرية القاهرة في الخامس عشر من تشرين الأول المقبل، وعلى مدى يومين، أعمال المؤتمر العالمي لدور وهيئات الإفتاء، الذي يحمل عنوان: «الإدارة الحضارية للخلاف الفقهي».
وأعلنت دار الإفتاء المصرية، في بيان لها تدشين استعداداتها لمؤتمرها السنوي العالمي في نسخته الخامسة، الذي يعقد تحت مظلة الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم تحت عنوان «الإدارة الحضارية للخلاف الفقهي»، وذلك في الفترة من 15 إلى 16 تشرين الأول، برعاية الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، حيث تأتي رسالة المؤتمر هذا العام في إطار استثمار الخلاف الفقهي في كافة عصوره ودعم التماسك الاجتماعي المعاصر والمشاركة في عمليات العمران والإسهام في الحضارة الإنسانية المعاصرة، حيث يشارك في فعاليات المؤتمر أكثر من 85 دولة من مختلف دول العالم يمثلون نخبة المفتين والعلماء من قارات العالم أجمع.
المشكلات الفكرية والأخلاقية في الخلاف الفقهي
{ وأكد مستشار مفتي الجمهورية والأمين العام للأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم الدكتور إبراهيم نجم أن عنوان مؤتمر هذا العام ينطلق من إرادة حقيقية لا تقف عند معالجة المشكلات الفكرية والأخلاقية في تناول الخلاف الفقهي، وإنما تمتد إلى نيّة صادقة لإستثمار هذا الخلاف وإدارته بأسلوب رشيد.
وأشار إلى أن موضوع المؤتمر يهدف إلى إبراز الريادة المصرية وتجربتها في العيش المشترك والتسامح الفقهي، إضافة إلى تجديد النظر إلى الخلاف الفقهي ليكون بداية حل للمشكلات المعاصرة بدلاً من أن يكون جزءاً منها، وتحديد الأصول الحضارية والاتجاهات المعاصرة للتعامل مع مسائل الخلاف وقضاياه.
وأضاف: إن من بين الأهداف أيضاً تنشيط التعارف بين العاملين في المجال الإفتائي على اختلاف مذاهبهم، والخروج بمبادرات إفتائية رسمية تدعم الإدارة الحضارية للخلاف الفقهي، هذا إلى جانب إعلان وثيقة: «التسامح الفقهي والإفتائي»، وإعلان آلية لإفادة مؤسسات المجتمع المدني لاستثمار الخلاف الفقهي في مجال حقوق الإنسان وكافة المجالات الاجتماعية والإنسانية، وكذلك تطوير طائفة من الأفكار التي تتبنّى إنشاء برامج إعلامية ونشاطات اجتماعية يتشارك فيها علماء المذاهب المختلفة تكون مرشدة لأتباع هذه المذاهب وداعمة للتسامح.
وأوضح الأمين العام للأمانة، أن المؤتمر سيرتكز على أربعة محاور رئيسة، يأتي في مقدمتها محور «الإطار التنظيري للإدارة الحضارية للخلاف الفقهي»، أما المحور الثاني فسيكون بعنوان «تاريخ إدارة الخلاف الفقهي: عرض ونقد»، بينما يناقش المحور الثالث موضوع «مراعاة المقاصد والقواعد وإدارة الخلاف الفقهي… الإطار المنهجي»، أما المحور الرابع والأخير وعنوانه «إدارة الخلاف الفقهي… الواقع والمأمول».
المبادرات
وكشف نجم عن أهم المبادرات التي سيتم طرحها خلال فعاليات المؤتمر، مؤكداً أن هناك أكثر من مبادرة تاريخية مهمة سيتم طرحها في ختام أعمال المؤتمر، يأتي في مقدمتها: إطلاق وثيقة «التسامح الفقهي والإفتائي»، وإعلان اليوم العالمي للإفتاء، إلى جانب طرح عدد من الإصدارات، من بينها: «إدارة الجودة في المؤسسات الإفتائية»، «المكتبة الإلكترونية للإنتاج الإفتائي»، «الأسس والأساليب العلمية للإفتاء»، «إدارة الموارد البشرية في المؤسسات الإفتائية»، «معجم فقه النوازل»، «جمهرة أعلام المفتين» و«المؤشر العالمي للفتوى» الإصدار الثاني، وموسوعة صناعة الفتوى بين النظرية والتطبيق باللغة الإنجليزية.
وأضاف: إن المؤتمر ستضم أعماله عدداً من ورش العمل يشارك فيها مفتون ومتخصصون، منها ورشة عمل حول «مهارات التواصل الفعّال للقيادات الدينية»، وورشة ثانية لعرض نتائج المؤشر العالمي للفتوى، وورشة ثالثة حول «الفتوى وتكنولوجيا المعلومات»، بالإضافة إلى جلسة حوارية على هامش المؤتمر حول «نحو استراتيجية رشيدة لإدارة الحوار الفقهي».
جائزة التميُّز الإفتائي
وسيعلن خلال المؤتمر عن جائزة التميُّز الإفتائي وإعلان جائزة الإمام القرافي للتميّز الإفتائي، وتوقيع عدد من مذكرات التفاهم بين الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء والمؤسسات المعنية.
تجدر الإشارة إلى أن الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم عقدت على مدار السنوات السابقة أربعة مؤتمرات عالمية مهمة؛ حيث جاء المؤتمر الأول الذي عُقد تحت مظلة دار الإفتاء المصرية وانبثقت عنه فكرة الأمانة العامة، بعنوان: «الفتوى.. إشكاليات الواقع وآفاق المستقبل» وذلك في آب 2015م، تلاه المؤتمر الثاني بعنوان: «التأهيل العلمي والإفتائي لأئمة المساجد للأقليات المسلمة» وذلك في تشرين الأول 2016م، ثم المؤتمر الثالث بعنوان: «دور الفتوى في استقرار المجتمعات» وذلك في تشرين الأول 2017م، ثم المؤتمر الرابع بعنوان: «التجديد في الفتوى بين النظرية والتطبيق» وعقد في تشرين الأول 2018م.
وأكد نجم في حوار إعلامي على إن استراتيجية الأمانة العامة مبنية على الاستجابة لمعطيات الواقع ومشكلات المسلمين وأوضاع دولهم وجالياتهم، فالأزمات والمشكلات التي يمرُّ بها المسلمون في مختلف أرجاء المعمورة تتطلّب استجابات نوعية تواكب حجم المشكلات والتحدّيات الراهنة، وقد كانت أمانة الإفتاء في العالم أول مؤسسة إسلامية في العالم تعني بتجميع وتكتيل المؤسسات والهيئات الإفتائية في مختلف بقاع الأرض لتعيد إلى الفتوى دورها الإيجابي في حياة المجتمعات والشعوب، ولتزيل عنها ما لحق بها بسبب تصدّر غير المتخصصين وأنصاف العلماء وأصحاب التوجهات المتطرفة للفتوى والرأي الديني، فقد تلاعبت جماعات العنف والتطرف بالفتوى الدينية لتشكّل بها لبنة في بناء العنف والإرهاب المستشري في العالم، حتى وصلنا إلى مستويات غير مسبوقة أضحت معه جماعات العنف الديني العامل الأهم في هدم الدول وتفتيت الشعوب.
لذا فإن مواجهة هذا الداء والقضاء عليه يمثل واجب الوقت والفريضة الأولى على علماء الأمة ومؤسساتها الوسطية، ومن أجل رسم سياسات متعلقة بمعالجة فوضى الفتاوى والتصدّي لفتاوى العنف والتطرف أصبحت الأمانة العامة تشكّل الخيط الناظم لمؤشرات الفتوى وضوابطها ليس في مصر والعالم الإسلامي بتنوّعاته وتقسيماته وامتداده فحسب بل عند المسلمين أجمعين عبر دول العالم كله وعبر مشروعاتها الإفتائية الاستراتيجية التي أطلقتها مؤخرا.