بيروت - لبنان

اخر الأخبار

6 نيسان 2019 12:02ص المؤسّسات في بيروت المحروسة المشكلات وآليات النهوض (3)

تأسيس مستشفى البربير.. وبعض المستشفيات التي كانت في مدينة بيروت

حجم الخط
تحدث د. حسان حلاق في الحلقة السابقة عن الأسباب الموضوعية في تراجع المقاصد، ثم ذكر تأسيس بعض الكليات البيروتية منها الكلية العثمانية الإسلامية، ثم دار العلوم ثم الجمعية العاملية الخيرية الإسلامية في بيروت، واليوم يكمل حديثه عن المؤسسات الإسلامية في بيروت المحروسة ليقف مع عدد من المؤسسات..
مستشفى البربير (1940 – 1991):
تأسّس مستشفى دار الصحة المعروف بمستشفى البربير عام 1940 على يد مؤسّسه الطبيب الدكتور نسيب بديع البربير (1912 – 1991) الذي أسهم بإنشاء عدة مستشفيات في بيروت المحروسة، غير أن إنطلاقة مستشفى دار الصحة – البربير كانت في خمسينات القرن العشرين.
والحقيقة، فإن مستشفى البربير الذي أقيم في المنطقة التي عرفت باسمه، كان من أهم المستشفيات في بيروت ولبنان، ووصل إلى مصاف المستشفيات اللبنانية الراقية ذات الخدمات الاستشفائية المميّزة، الأمر الذي جعله منافساً لأهم المستشفيات البيروتية واللبنانية، وبواسطة كفاءة وإدارة الدكتور نسيب البربير الجدّية والصارمة، وسبب اختياره الأطباء الذين يتميّزون بكفاءة عالية، والممرّضين والممرّضات والإداريين الممتازين، فضلاً عن المختبرات والمعدّات الطبية، وغرف العمليات الممتاز؛ لذلك أصبح مستشفى البربير يملك سمعة لبنانية وعربية الأمر الذي دعا دولة قطر لوضع ثقتها بهذا المستشفى، والتعاقد معه لاستقبال المرضى من قطر بأعداد كبيرة، ولفترات طويلة، مما دعا دولة قطر أيضاً للاتفاق مع جميعه المقاصد لإنشاء القسم الداخلي لطلاب قطر في ثانوية خالد بن الوليد (الحرج).
لقد أنفق الدكتور نسيب البربير كل ما يملك من عقارات وأبنية وأراضٍ من أجل الحفاظ على مستوى المستشفى، واستمراره في خدمة اللبنانيين والعرب، وبالرغم من أنه أصبح وزيراً للصحة في حكومة الرئيس رشيد كرامي عام 1966 غير أنه لم يتوان إطلاقاً في الاستمرار في دعم ورعاية المستشفى والحرص على تلبية جميع متطلّباته.
الدكتور نسيب البربير رجل أقام مشروع صحي واستشفائي مميّز وممتاز على حسابه الخاص، وضحّى من أجل انطلاقته واستمراره طيلة خمسين سنة، ولكن لماذا أقفل هذا المستشفى البيروتي في عام 1991 – 1992 بعد أن توفي المؤسّس الكبير الدكتور نسيب البربير؟
لا شك بأن مجلس العمدة والظروف المالية التي أحاطت بالمستشفى بعد وفاته أثّرت تأثيراً مباشراً بإقفاله، فضلاً من أن مجلس العمدة لم يعمل بوصية الدكتور نسيب البربير بتحويله وقفاً خيرياً إسلامياً سنّياً ذات منفعة عامة، كما لم يعمل بوصيته المدوّنة قبل وفاته بأن يوضع المستشفى في تصرّف جامعة بيروت العربية إذا كان لديها كلية الطب، كما تضمنت الوصية أن يؤول المستشفى إلى وقف البر والإحسان - جامعة بيروت العربية.
وفي كل الأحوال فقد خسرت بيروت والبيارتة صرحاً صحياً واستشفائياً عريقاً، أنشيء بجهود فردية مميّزة، وعلى نفقة الدكتور نسيب البربير، غير أن مسؤولية الإقفال تقع على عاتق من تحمّل المسؤولية بعد وفاته – رحمه الله – بالرغم من أن المستشفى كان في حياته مؤسسة ليست عائلية، لا سيما وأنه لم يكن لديه أولاد يرثونه، بل كان مجلس العمدة يساعده في شؤون المستشفى طيلة سنوات، غير أننا لا ننكر إطلاقاً دوره الشخصي والمالي في الحفاظ على المستشفى واستمراره طيلة خمسين سنة وحتى وفاته، وتبيّن أنه لو حوّلها في حياته إلى شركة مساهمة، لكان أفراد هذه الشركة حريصون على استمرارها والحفاظ عليها أكثر من أي فريق آخر، وذلك للحفاظ على مصالحهم ومصالح الشركة، كما لو أن المستشفى قد تم تحويله إلى جامعة بيروت العربية، لكانت حافظت عليه وعملت على تطويره، علماً أن هناك مساعٍ خيّرة لإعادة العمل بمستشفى البربير قريباً.
بقية المستشفيات في بيروت المحروسة:
بعد تغيّر وظيفة المستشفى العثماني (الخستة خانة) إلى وظيفة أخرى في عهود الانتداب الفرنسي وعهود الاستقلال، وبعد تزايد عدد المستشفيات في شرقي بيروت، فقد قام بعض أطباء المسلمين البيارتة وبمبادرات فردية أو جماعية بتأسيس عدد من المستشفيات في بيروت المحروسة لم يبقَ منها أي مستشفى عاملاً للأسف الشديد بل أقفلت جميعها، ومن بينها:
مستشفى البربير (منطقة البربير).
مستشفى بيضون (الصنائع).
مستشفى الدكتور محمد خالد (البسطة التحتا).
مستشفى إدريس.
مستشفى الدكتور صبحي الطيارة (البسطة الفوقا).
مستشفى الدكتور مصطفى الخالدي (المكحول).
مستشفى البلعة (مستشفى الأطباء) (رمل الظريف).
مستشفى الشرق الأوسط (الرملة البيضاء).
مستشفى حيدر (محطة النويري).
سواها من المستشفيات.
لقد كان إقفال هذه المستشفيات البيروتية الإسلامية كارثة صحية واستشفائية بحق المجتمع البيروتي واللبناني على العموم، وقد أقفل بعضها بسبب وفاة المؤسّس، أو بسبب رغبة الورثة بعدم تحمّل المسؤولية، والعمل على بيع العقار لأسباب مادية، أو بسبب الفساد الإداري والمالي في بعضها الآخر.
وبكلمة موجزة، فإن هذه المستشفيات التي بقيت لسنين عديدة تلبّي متطلبات المجتمع البيروتي الإسلامي، فلو أنها تحوّلت في عهد المؤسّس أو من بعده إلى مؤسسة أو شركة مساهمة أو مؤسسة وقفية لاستطاعت الاستمرار عاملة فاعلة في مجتمعها البيروتي وفي المجتمع اللبناني الأرحب.
الأوقاف الإسلامية السنّية في بيروت المحروسة ولبنان
ورث المسلمون السُّنَّة في بيروت المحروسة ولبنان أوقافاً خيرية أوقفت على الأعمال الخيرية والاجتماعية والاقتصادية والدينية والعلمية، وعلى كل وجوه وأنشطة المجتمع البيروتي المسلم والمجتمع اللبناني المسلم، وتعود هذه الأوقاف إلى مئات السنين، وذلك منذ الفتوحات الإسلامية إلى نهاية عهد الدولة العثمانية عام 1918.
لقد استطاعت الأوقاف الخيرية الإسلامية السنية عبر مئات السنين النهوض بالمجتمع الإسلامي كافة وفي دعم أفراده في ميادين العلم والضمانات الاجتماعية، وفي ميادين الاقتصاد والتنشئة الدينية والأخلاقية، وفي بناء الجوامع والزوايا والمدارس والمعاهد والجامعات، وفي ميادين الصناعة والتجارة، وفي كل ميدان ونشاط عرفه المجتمع البيروتي واللبناني.
لقد كانت أعداد الأوقاف الإسلامية السنية المتوارثة لا تُعدّ ولا تحصى، حتى أن أوقاف الإمام الأوزاعي (88-157هـ) (707-774م) وحدها كانت تمتد من طريق صيدا القديمة إلى مناطق الأوزاعي وخلدة، وما بينهما من أراضٍ وعقارات كانت كلها أوقافاً خيرية يستفيد منها المسلمون البيارتة والمسلمون في لبنان، كما استفادت منها الدول الإسلامية التي حكمت عبر العصور، فأين أوقاف المسلمين البيارتة التي أوقفها الأجداد والأباء عبر العصور؟
نظراً للإهمال المتمادي عبر العصور، ونظراً لسرقة الأوقاف والعقارات التابعة لها بأساليب ملتوية، وبسبب سوء الإدارة من متولّي الأوقاف، وتفشّي الفساد منذ مئات السنين، وبسبب عدم التنظيم الوقفي، وعدم وجود أرشيف خاص بهذه الأوقاف قبل عام 1843م، وبسبب وضع بعض الحكام والمسؤولين أياديهم على بعض هذه الأوقاف الإسلامية، فإن ما بقي منها إلى الآن سواء في بيروت المحروسة أو في لبنان لا يمثل 15% من أصل أوقافنا التاريخية التي نشأت منذ عهد الفتوحات الإسلامية إلى عهد الدولة العثمانية.
إن أوقاف الطائفة المارونية والطائفة الأرثوذكسية والطائفة الكاثوليكية وسواها من أوقاف مسيحية تم الحفاظ عليها استناداً إلى حرص شديد من متولّي الأوقاف، واستناداً إلى إدارة رشيدة من المسؤولين الدينيين من بطاركة ومطارنة بحيث أن مداخيل هذه الأوقاف المسيحية من العقارات والأبنية والإيجارات والاستثمارات ومن الأراضي الزراعية تبلغ عند كل طائفة ما يقارب خمسمائة مليون دولار أميركي، في حين أن مداخيل الطائفة السنية من عقاراتها الوقفية هي أقل من خمسة ملايين دولار في السنة الواحدة.
هذا هو الواقع المرير لأوقاف المسلمين السُّنَّة، بسبب الإهمال وسوء الإدارة والعبث بمقدرات الأوقاف في العهود الماضية، وبسبب محاربة وسرقة الاحتلال الفرنسي للأوقاف الإسلامية لما تمثله من نهوض وتطوّر إسلامي في لبنان، لا سيما إن فرنسا عندما عملت على توطين الأرمن في أوقاف المسلمين في عنجر، فقد ضاعت تلك الأوقاف مع مرور الزمن؛ لأن تلك الأوقاف أصبحت ملكاً للأرمن؛ لذلك فإن المطلوب من المسؤولين المعاصرين عن الأوقاف الإسلامية إعادة النظر في النظم الإدارية والاستثمارية لتلك الأوقاف المتبقية.

.