بيروت - لبنان

اخر الأخبار

14 تموز 2018 12:03ص المجتهد الأكبر السيّد محسن الأمين

حجم الخط
محمد يوسف بيضون*
 
في مذكراتي التي أعمل على تدوينها فصل خاص يتعلق بالمجتهد الأكبر السيد محسن الأمين الذي ولد في قرية شقراء، إحدى قرى جبل عامل الجنوبي في العام 1867م وانتقل منها إلى دمشق حيث شاءت الظروف أن يبقى فيها حتى وفاته في العام 1952.
في العام 1874م باشر في تحصيله الإبتدائي في مدرسة القرية، وحين انتقل إلى النجف الأشرف وأقام فيها زهاء إثنتي عشرة سنة حاز خلالها على اجازات أكبر المجتهدين وحين منحوه إجازة «الاجتهاد المطلق» دعوا العامة إلى الأخذ بما يعطي والامتناع عمّا يردع عنه.
الكلام عن السيّد محسن الأمين، إذا انطلق فلا نهاية له كان يسعى دائماً لتوحيد المسلمين وينبذ التفرقة التي كان يستغلها أعداء الدين للنيل منه وفي هذا المجال كان مصلحاً عظيماً ووطنياً كبيراً. وحين جاءه المفوض السامي الفرنسي الذي كان يطلع علي اجتهاداته الفقهية التي كان لها قوة القضية المحكمة يعرض عليه منح المذهب الشيعي جميع الحقوق والمميزات التي تتمتع بها المذاهب الرسمية الأربعة (الحنفي، الشافعي، المالكي، والحنبلي) والاعتراف به رسمياً كمذهب خامس، أجابه السيد محسن الامين بما حرفيته المستقاة من مصادر الكتب:
«إن ما تكرمت به وعرضته علي بإحداث دائرة للافتاء الشيعي ومنحي شرف رئاستها، أقول مع جزيل الشكر والتقدير لفخامة المفوض السامي، ان إحداث مذهب رسمي للشيعة مع دائرة افتاء خاصة بهم، لا مبرر له ولا داعي لإحداثه. إذ كما قلت لا فرق مطلقاً» بين مسلم سنّي ومسلم شيعي، فكلهم مسلمون يؤلفون السواد الأعظم من سكان الوطن السوري. ونحن أبناء المسلمين الشيعة، في هذا البلد السموح وفي هذا الوطن الذي لا يعرف التفرقة راضون بما قسم الله لنا، يصيبنا ما يصيب غيرنا من خير وشر ومن سعادة وشقاء كما اننا ننال نصيبنا من الوظائف العليا ما نحن أهل له على ضوء الكفاءات والشهادات الجامعية والاختصاصات الفنية دون النظر إلى أي أساس آخر كالدين والطائفة».
وأضاف: «اني احترم الجميع مسلمين كانوا أو مسيحيين، وللمتقين منهم خالص رعايتي ومحبتي دون أي تفريق». وحين بلغ رئيس مجلس الوزراء جميل مردم بك ما جرى بين السيد محسن الامين والمندوب السامي الفرنسي مسيو جيناردي في مقابلته معه قال لوزير ماليته الذي نقل إليه «هكذا يجب أن يكون علماء الدين، وهكذا يجب أن يكون كل من أحب وطنه لا تخيفه سلطة ولا يغريه مال».
ترك السيد محسن الأمين بوفاته مؤلفات كثيرة تُعد بالخمسينات أو الستينات في مواضيع مختلفة، فقهية تاريخية، أدبية وشعرية.
من أهم مؤلفاته: «أعيان الشيعة»، وهي موسوعة أنسكلوبيدية في خمسين مجلداً جمع فيها اعلاماً شيعية من جميع الأقطار الاسلامية وكان هدفه من وراء ذلك ابراز دور الشيعة في خدمة الإسلام والمسلمين وإعلان كلمة الحق والدين والعمل على نبذ التفرقة بين المسلمين وجعلهم كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً تحت لواء «لا اله الا الله محمد رسول الله».
لم يقبل المحسن الأمين أن يسبقه الزمن وتبقى جهوده منصبة على التعليم الإبتدائي، بل كان طموحاً إلى متطلبات عصره في التحصيل الثانوي والعالي، فحوّل مدرسته الابتدائية إلى معهد ثانوي وجعلها تضم المراحل الثلاث بقسميها الداخلي والخارجي.
هكذا كان سماحة السيّد محسن الأمين وهكذا بقي حتى وافاه الأجل المحتوم في عام 1371هـ (1952). سار في موكبه عليّة القوم من رؤساء وزارة ووزراء وسفراء ولفيف كبير من رجال الدين من مسيحيين ومسلمين ووفود كثيرة من لبنان والعراق والاردن، يتبعهم الالوف من الدمشقيين الذين عرفوه فقدروه والكل يترحم عليه ويردد مآثره الوطنية ومواقفه الصلبة واعماله الخيرة.
رحم الله السيد محسن الأمين عدد نجوم السماء التي وضعته بينها نجماً يشع ايماناً يهدي المؤمنين مسيحيين ومسلمين طريق الحق، طريق خالق الكون، من فيه وما فيه من كائنات، والله على كل شيء عليم.
نائب ووزير سابق