بيروت - لبنان

اخر الأخبار

10 تشرين الثاني 2023 12:00ص المفتي بكر الرفاعي في حوار مع «اللواء» يؤكّد: واجب الدعاة تجاه فلسطين كبير.. توعيةً ودعوياً وإلكترونياً

حجم الخط
أكد مفتي بعلبك الهرمل الشيخ بكر الرفاعي أن على الدعاة الدور الكبير في نشر الوعي عند الشباب فيما يتعلق بموضوع فلسطين وأهلها، خاصة أن هذه القضية تنازل عنها الكثير لسنوات طويلة حتى ظن الناس أنها نُسيت.
وقال المفتي بكار أن فلسطين مهد الحضارات وأرض الرسالات، تتميّز بتراثها العريق، حيث يعود التراث فيها إلى العصور الحجريّة القديمة والوسطى والحديثة، وفي أريحا أقدم مدينةٍ في تاريخ العالم، أوّل علاماتٍ على حياة الإقامة والاستقرار، وفي منطقة بئر السبع تمّ الكشف عن دلائل تعود إلى العصر الحجريّ النحاسيّ، يتبعه العصر البرونزيّ، كما أنّها شاهدةٌ على هجرة الكنعانيين، حتّى تسمّت بعض المدن التي سكنوها بأسمائهم...

توعية الناس بالقضية

{ بداية كيف يشرح الدعاة القضية الفلسطينية للناس؟
- ثمانية عقود مضت على الصراع العربي - الإسرائيلي، 75 عاماً ولا زالت دماء الفلسطينيين لونها لون الدم وريحها ريح المسك، لم تثنِ كل تلكم السنين العزيمة، ولم تكسر كل هاتيك العقود الإرادة، تقتل آلة الحرب الصهيونية ومن ورائها أكبر ترسانة عسكرية في العالم الفلسطينيين ولا يموتون، تقتل جيلاً فيخلفه جيل أشدّ شراسة، تشطب رجلاً وتتجرّع السُمَّ على يد أبنائه لتجدهم أقسى منه وأصلب.
احتل العدو الأرض وعاث فيها الفساد، أخرج الناس من بيوتها آخذا معه زيتونها وقمحها والمقدسات، أثخن في فلسطين الجراح، وحشية تشبه أبشع صورة للجريمة والمجازر على وجه الأرض ولا يزالون.
تعاون محور الشر المستعمر بعد خروجه من الحرب العالمية الأولى منتصراً على بلادنا فقسّمها وجزّأها فخطّط ودبّر وقتل كيف دبّر، خرج من بلادنا بعدها زارعا أخطر كيان في فلسطين فسلّحه ودعمه وبنى له حدوداً آمنة تُسمّى بدول الطوق، زرعوا في وطن العرب والمسلمين  أنظمة أمنية تافهة وموظفة إلّا ما ندر، ثم استفرد هذا العدو بفلسطين فحدث ويحدث ما ترون وتسمعون.
يساند القضية الفلسطينية أحرار العالم، يذبون عنها ما استطاعوا ويقدّمون لها ما تيسّر وتوفّر، وبهذه الإمكانيات المتواضعة بدأ في فلسطين منذ ثلاثين سنة أول عمل عسكري لكتائب الشهيد عز الدين القسام، وراحت الفصائل الفلسطينية وعلى رأسها حماس تبني ترسانتها العسكرية حتى استطاعت ومن المستحيل أن تقف اليوم متحدّية أكبر وأخطر آلة عسكرية على وجه البسيطة، ورغم كل محاولات العدو في التشويش وتجريم المقاومة ووضعها في خانة الإرهاب إلّا أنها لا زالت تحظى بتأييد شعبي عربي وإسلامي وعالمي كبير يفتر وينشط لكنه لا يموت.
شهد العالم وشاهد ما لم يكن في الحسبان يوم السبت في 7/10/2023م، عملية نوعية كبيرة وعظيمة فاقت بإنجازاتها كل التوقعات، اختراق للجدار العازل ودخول إلى المستوطنات حيث اقتحم المجاهدون الثكنات واحتلوها لأكثر من ست ساعات آخذين منها كنوزا معلوماتية مهمة بعد أن أجهزوا على طواقمها العسكرية فقتلوا انتقاما لدماء شهدائهم وأسروا فداء لأسراهم، إنهم جند الله الذين اختارهم وهم الألوف القليلة ليحاربوا عن الأمة المليارية الكبيرة، إنهم جنود الحق في الزمن الباطل، غطّوا وجوههم ليكون وجه أحرار العالم المؤمن النظيف الرحيم، وجه الخير الذي يغلب نوره شر الأشرار وقبح الفجّار.
عادت فلسطين لتحتل واجهة العالم الإعلامية والأمنية والعسكرية، وليس لدينا أدنى شك أن الحق منتصر لا محال، وأن الصهاينة مهزومون لا محال، وأن الله غالب على أمره، هو ولينا ومدبر الأمر من قبل ومن بعد.
{ وكيف يظهر الدعاة مكانة فلسطين للأجيال الناشئة؟
- تتحرك فلسطين فيتحرك العالم كله، تتألم فيتألم، وتنتصر فينتصر، وليس ذاك إلّا لدورها التاريخي الكبير، وتنبع أهمية فلسطين من قيمتها الدينية؛ حيث اختارها الله سبحانه وتعالى من بين بقاع الأرض لتكون موطناً لمعظم الأنبياء، ويوجد فيها أطهر وأقدس دور العبادة بعد المسجد الحرام، والمسجد النبويّ، ولقد أُسري بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم  إلى أرض فلسطين، وصلّى بالأنبياء جميعاً في هذه الأرض المُباركة، فلسطين أرض الأنبياء، فلسطين هي مسكن الأنبياء؛ والذي يُدلل على ذلك ما يلي: هاجر نبي الله إبراهيم عليه السلام إلى أرض فلسطين. نجّى الله سبحانه وتعالى نبيه لوط من العذاب الذي أصاب قومه إلى أرض فلسطين. عاش النبي داود عليه السلام في أرض فلسطين، وبنى محراباً على أرضها. حكم نبي الله سليمان عليه السلام العالم كله من أرض فلسطين، وحدثت قصة النبي سليمان مع النمل في مكان يُدعى (وادي النمل)، ويقع هذا الوادي في أرض فلسطين بجانب عسقلان، يوجد محراب زكريا عليه السلام على أرض فلسطين المباركة. طلب موسى عليه السلام من قومه أن يدخلوا الأرض المُقدسة، حيث سُمّيت بالمقدسة؛ لأنَّها مُطهّرة من الشرك والكفر. شهدت أرض فلسطين عدداً من المعجزات، ومنها ولادة عيسى عليه السلام من مريم، وهي فتاة صغيرة لم تتزوج، وفوق متن هذه الأرض هزّت مريم العذراء بجذع النخلة بعد ولادتها من نبي الله عيسى عليه السلام، كما رفع الله نبيه عيسى إليه عندما أراد بنو إسرائيل قتله، وسينزل عيسى عليه السلام في آخر الزمان إلى أرض فلسطين عند المنارة البيضاء، وتُعتبر فلسطين أرض المحشر والمنشر.
ففلسطين مهد الحضارات وأرض الرسالات، تتميّز بتراثها العريق، حيث يعود التراث فيها إلى العصور الحجريّة القديمة والوسطى والحديثة، وفي أريحا أقدم مدينةٍ في تاريخ العالم، أوّل علاماتٍ على حياة الإقامة والاستقرار، وفي منطقة بئر السبع تمّ الكشف عن دلائل تعود إلى العصر الحجريّ النحاسيّ، يتبعه العصر البرونزيّ، كما أنّها شاهدةٌ على هجرة الكنعانيين، حتّى تسمّت بعض المدن التي سكنوها بأسمائهم، وكان أوّل اسمٍ أُطلق عليها: أرض كنعان؛ نسبةً لهم، وتحدّث أهل فلسطين في ذلك الزمان بثلاث لغاتٍ، هي: الكنعانيّة والآراميّة والعربيّة، كما قام الكنعانيّون بإنشاء ما يزيد عن مائتي مدينةٍ، وحدث ذلك قبل مجيء اليهود بمئات السنين، وقد كان قدوم إبراهيم ولوط -عليهما السّلام- في العصر البرونزيّ الوسيط، وقد شهدت فلسطين على ولادة إسحاق ويعقوب عليهما السّلام، وفي العصر البرونزي المتأخّر، انتهى حكم الهكسوس وخضعت فلسطين للحكم المصريّ بشكلٍ كاملٍ، وفي العصر الحديديّ كانت بداية هجرة اليهود إلى فلسطين، وتبع ذلك حدوث المجاعة التي كانت السبب في هجرة أبناء يعقوب -عليه السّلام- للتجارة وطلب الرزق، عندما كان أخوهم يوسف -عليه السّلام- عزيز مصر؛ فاتّخذ الإسرائيليّون من مصر موطناً لهم، ولكنّ تعرّضهم للظلم والقهر من رمسيس الثاني ألجأ موسى -عليه السّلام- ومن معه إلى الهجرة بهم إلى أرض كنعان، وفي هذه الأثناء أصابهم التيه في الصحراء؛ لشدّة كفرهم واعتراضهم على أمر الله تعالى حين رفضوا دخول الأرض المقدّسة مع موسى عليه السّلام، فلم يأذن الله تعالى بدخولهم لها إلّا بعد انتصار قوم موسى ويعقوب وداود -عليهم السّلام- على جالوت، فقامت بذلك مملكة داود -عليه السّلام- في مدينة القدس، وتوالت على فلسطين بعدها الممالك والحضارات المختلفة.
إنها الأرض التي طالما تقاتل العالم كله عليها، هنا القرار، هنا الحرب، هنا السياسة، هنا السلم، هنا الحق والخير والنضال، هنا فلسطين.

الخطب والدروس

{ وما النقاط التي يجب التركيز عليها في الخطب والدروس؟
- أمَا وقد شفى الله صدوركم أيها العلماء المؤمنون بما فعله إخوانكم وأبناؤكم المجاهدون الصّادقون؛ فإنّ الواجب اليوم هو نصرة هؤلاء الأبطال ونصرة أهلكم من أبناء الشعب الفلسطيني الذي يمارس الكيان الصّهيونيّ بحقّه أبشع المجازر على مرأى ومسمع العالم كلّه.
إنّ العالم المعادي والطامع في تدمير تاريخنا وسرقة ثرواتنا يهرول بكلّ طاقته العسكريّة والماديّة والسياسيّة والإعلاميّة لمشاركة الكيان الصّهيونيّ في إجرامه، والمسلمون أولى بشدّ أزر إخوانهم والانخراط معهم في معركة البطولة والكرامة والشرف، وأنتم يا علمائنا من تُعلِّمون النّاس قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} [الأنفال: 73].
إنّ أهل غزّة اليوم تستصرخكم أشلاء أطفالهم التي ما تزال تحت الأنقاض المدمّرة، وتناشد ضمائركم الدماء المراقة والقلوب الملهوفة ألا تخذلوها، وترنو إليكم أبصار المجاهدين الذين يذيقون عدونا وعدوكم وبال أمره ويدافعون عن أمنكم وأمن كل بلاد المسلمين.
يا علمائنا الأفاضل:
اليوم يوم الفعال، يوم يتقدم العلماء الصفوف فيضربون للشعوب سيرة العلماء الذين لا يخشون في الله لومة لائم وقد قال الله تعالى فيهم: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً}، إنّ الأمة كلها اليوم ترقب ما يجري على أرض الإسراء والمعراج، فليكن لكم يا علمائنا قصب السبق في تحريك وقيادة شعوب الأمة في المجالات الآتية:
أولاً: استنفار الشعوب إلى الساحات والميادين، وإلى الحدود مع فلسطين المحتلّة في دول الطّوق، وأن يكون العلماء في مقدمة الاعتصامات والمظاهرات الهادرة نصرةً لأهلنا في فلسطين وتعرية للباطل الصّهيونيّ.
ثانياً: تحريض الناس جميعاً على البذل والعطاء والجهاد بالمال في سبيل الله تعالى، فالجهاد بالمال اليوم يجب أن يكون صنو الجهاد بالنفس، ولا يجوز التخلّف والتأخّر عنه، فننتظر من العلماء إطلاق الحملات ودعم الحملات القائمة لبذل المال والجهاد به في سبيل الله تعالى.
ثالثاً: أن تكون نصرة غزة والمجاهدين في فلسطين وفضح الكيان الصهيوني بالحديث المستمر على المنابر والدروس المسجديّة والحضور المكثف في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي.
رابعاً: قنوت النازلة في الصلوات الخمس وحثّ الناس على القيام والدعاء للمجاهدين على أرض غزة وفلسطين.

واجب الدعاة على مواقع التواصل

{ وما هو واجب الدعاة على مواقع التواصل تجاه فلسطين؟
- إن من واجبات الدعاة والعلماء  دخول المعركة الإعلامية عبر مواقع التواصل وأخواتها وهذا لا يقلّ عن الواجبات الأخرى فهو يصنع الآراء والتوجهات ويبني التصورات ويوصل الحقائق ويكشف الجرائم ويبني المفاهيم ويحمي حمى الإسلام في عقول المجتمع الإسلامي ويرافع على أحقيته لدى الشعوب الإنسانية في العالم. وليكن واجبك أيها الداعية تحري الحقيقة والرد على الشبهة وعدم التسامح مع المطبعين الخونة وحصار الإشاعة وإجهاض الأكاذيب، مع العمل إلى الوصول إلى الصناعة الإعلامية الاحترافية لمواد إعلامية تبني قيم الرباط وترسخ نهج المقاومة وترفض ذل التطبيع وتفضح أهله. وأدوات ذلك: الإنترنت والراديو والتلفاز وشبكات التواصل الاجتماعي.
مع ظهور الفضاء الإلكتروني ودخوله إلي كافة مجالات الحياة كان للاستخدام العسكري أيضا موضع قدم به حيث تم استخدامه كمجال جديد للحرب والقتال مع ارتباطه بمصالح إستراتيجية للعديد من الدول، وبرز به شكل جديد من الحرب تختلف في طبيعتها وأطرافها وأهدافها وبيئتها وميدان القتال بها في ظل بيئة ووسيط جديد يستخدمه كافة الفاعلين وليصبح الانترنت وبصورة أشمل الفضاء الإلكتروني ساحة جديدة للصراع بكل أشكاله وصوره المتعددة، وتغيّرا في طبيعة الصراع وأدواته، وهو ما يؤثر على الطابع المدني للخدمات عبر الإنترنت, ويجعلها أمام خطر التعرض لهجمات الكترونية متبادلة تتميز بالكر والفر وهدفها التدمير والتأثير النفسي والاقتصادي والإعلامي.
وتتميّز الهجمات عبر الفضاء الالكتروني بأنها حرب بلا نار أو دخان وقصف بلا أنقاض، وغزو بلا جيوش وميدان للمعركة فسيح لا يقتصر أو يتقيّد بمكان النزاع أو المواجهة الجغرافية بل يمتد مع اتساع الفضاء الإلكتروني وتخطّيه للحدود ولسيادة الدول بما ينعكس علي زيادة عدد المهاجمين وزيادة الأهداف المعرضة للقصف ويختلط المقاتلين بها بين ما هو مدني بما هو عسكري وتصبح لوحة المفاتيح والفارة للكمبيوتر والاتصال بالانترنت فقط هي من مقتضيات تلك الحرب الجديدة.
وتتعلق آليات وإستراتيجية الهجوم بنمطين، يتعلق الأول، بالاستخدام والتوظيف الإعلامي للانترنت كوسيلة أعلام دولية الطابع عن طريق استخدام كافة أدوات الرأي والتعبير عبر الانترنت للتعبير عن وجهات النظر والتأييد، وجمع التوقيعات الالكترونية واستطلاعات الرأي الالكترونية التي تبرز مواقف المشاركين من طرفي النزاع، وغرف الدردشة والمنتديات ومواقع التواصل الاجتماعي في الإنترنت للقيام بحوارات وتكوين رأي مناصر، وتشكيل التحالفات السياسية ونشر أفكار الاحتجاجات للحصول علي تأييد الرأي العام المحلي والعالمي. وإظهار حقيقة الدمار والقتل التي تسعي إسرائيل لطمس معالمه من خلال فرض رقابة إعلامية على مناطق القتال وتفعيل ردود الأفعال الدولية عبر دعم المظاهرات حول العالم التي تساند غزة في مواجهة حرب إسرائيل العدوانية.
أما عن النمط الثاني، فيتعلق برد الفعل العنيف عن طريق التحول من لغة الحوار والإقناع إلي التدمير والإقصاء عبر القرصنة والاختراق لشل وتعطيل وتدمير الموقع ووقفه عن العمل وإغراقه بآلاف الرسائل الالكترونية، وقد يحمل بعضها فيروسات تؤدي لعرقلة عمل الموقع واختراقه وسرقة المعلومات ونشر الفيروسات، وإرسال كم كبير من الرسائل الاحتجاجية لكافه الأطراف المعنية بصورة ضاغطة ومزعجة عن طريق البريد الإلكتروني، ويتعلق ذلك استهداف المواقع الإستراتيجية لإسرائيل على الإنترنت بهدف تدميرها واختراقها إلي جانب اختراق شبكات الاتصال والبث الإذاعي.
علينا إذا الدخول في معركة النضال عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتكثيف نشر الفتاوى المحرضة على نصرة أهلنا وتبيان حقهم وتعرية عدوهم الظالم الغاشم.