بيروت - لبنان

اخر الأخبار

20 تشرين الأول 2020 12:00ص المولد مدرسة العِبَر

حجم الخط
د. حسان أبو عرقوب*
ونحن في شهر ربيع الأول يحلُّ علينا المولد النبي الشريف، ذكرى عزيزة على قلوب المسلمين، وما أحلاه من مولد سعيد، وعيد مجيد، نتذاكر فيه سيرة النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، مع مدحه شعراً ونثراً، والإكثار من الصلاة والسلام عليه، وإطعام المسلمين فرحاً بهذا اليوم الأغرّ العظيم.

نتعلّم من المولد الشريف أنّ الدعوة إلى الله صبر واحتساب، وليست أمراً سهلاً ومريحاً، فالإنسان عندما يلبس ثوب الدعوة إلى الله تعالى سيتعرّض له السفهاء، ويهزأ به عوام الناس، وربما عاداه أقرب الناس إليه، هكذا كان حال الأنبياء مع أقوامهم، وهكذا عانى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من قومه، فهذا ميراث النبوة سيناله كل من سار على طريق الأنبياء.

ونتعلّم من المولد الشريف أنّ الأخلاق الحسنة لها أثر كبير على قبول الناس للدعوة، ولذلك نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أحسن الناس خلقاً، يتصف بالرحمة واللين، واللطف والعطف، والبِرّ والصلة، والكرم والسخاء، لا يردّ سائلاً، ويعين كل محتاج، صادق أمين، أحبّه الناس لهذه الشمائل الطيبة، فدخلوا في دين الله أفواجاً، وهذا درس يلزمنا أن نتعلّمه ونحن في ظلال المولد الشريف، أن الأخلاق هي رأس مال الداعية إلى الله تعالى، ومتى فقده كانت تجارته كاسدة.

ونتعلّم من المولد الشريف أنّ الداعية إلى الله له وجه واحد يعيش فيه في بيته وبين الناس؛ لأننا نلحظ في عصرنا من له وجهان، واحد يقدّمه للناس، وهو مثال اللطف والعطف، والآخر لزوجته وأولاده، وهو وجه الشدّة والغلظة. إن هذا التلوّن العجيب ليس من أخلاق نبينا صلى الله عليه وسلم، ولا يليق بدعاة ينتسبون إليه، فعلى الداعية أن يتعلم كيف يعيش بوجه واحد جميل في البيت وخارجه.

ونتعلّم من المولد الشريف أن الدعوة إلى الله تعالى تحتاج إلى بذل وعطاء، بذل في الأوقات والأموال والجهد والفكر، فلا ينفع البخل مع الدعوة، فالداعية يسخّر نفسه ووقته وفكره وماله في سبيل الهدف الذي يسعى إليه، وهذا جهاد من أعظم أنواع الجهاد، حيث تصير الدعوة إلى  الله وهداية الناس وإرشادهم إلى الطريق الصحيح هي هدف الإنسان وشغله الشاغل.

ونتعلّم من المولد الشريف أن الصحبة في غاية الأهمية؛ لأن الصاحب ساحب، فمن صاحب الأخيار تعلّم الخير منهم، ومن صاحب الأشرار تعلّم الشر منهم، فعلى الإنسان أن يختار صحبته بعناية فائقة.

ليس المولد الشريف مجرّد ذكرى، إنها دروس وعِبَر، من سيرة خير البشر صلى الله عليه وسلم، نذكّر أنفسنا بها في ذكرى مولده، كي تظلّ حاضرة أمامنا، ننهل منها، ونقتدي بها، ونسير على هديها، ونستضيء بنورها، فالرسول صلى الله عليه وسلم هو قدوة المؤمنين، وسراج المحبّين، وقمر الدعاة المخلصين.



* مدير العلاقات العامة والتعاون الدولي بدائرة الإفتاء الأردنية