في العام 2015 كتبت هذا المقال واليوم أُعيد نشره لأن «المرض» ما زال كما هو، مع فارق أن آثاره تضاعفت حتى باتت «سرطانية»..؟!
فمنذ فترة وأنا أراقب وأدرس أبعاد تلك «الحساسية المفرطة» التي استقرّت في نفوس عدد كبير من المسلمين الذين ما إن يسمعوا أحدا يتحدث عن وسطية الإسلام وانفتاحه وتطوّره حتى تثور ثائرتهم عليه فيتهمونه بالخنوع والضعف والاستسلام ثم يتطوّر الأمر مع حماس ثلّة من الجاهلين فتصبح التهمة الخيانة والعمالة...؟!
ولذا.. يرفضون كل رأي غير رأيهم ويقولون أنه فسق وفجور..؟!
يتهمون كل مختلف بأبشع الصفات.. وإن كان الاختلاف في الأمور المباحة..؟!
وهؤلاء لا يريدون بكُره الحديث عن وسطية الإسلام إلا جعل السنّي عدوا للشيعي، والصوفي عدوا للسلفي، والمسلم عدوا للمسيحي ولو أدّى ذلك إلى خراب البلاد فوق رؤوس العباد..؟!
ومن خبثهم.. أنهم زرعوا في الفكر الخوف من كل آخر فتقوقع كل واحد على نفسه وجماعته حتى في ما يعتقدون أنه خدمة للدين.. فلكلّ مساجده ومصلياته ولا يجرؤ أحد من هنا على الصلاة في مسجد أحد من هناك..؟!
ثم تطوّر الأمر.. فأصبح لكل فريق ولكل جماعة ولكل إمام مسجده الخاص وأتباعه ومريديه الذين لا يصلون «بل ربما لا يعتقدون بصحة الصلاة» إلا خلفه..؟!
والمضحك أن هؤلاء يخرجون علينا فجأة ليقولوا «نحن نرفض التعصّب»..؟! إذن.. هذا الذي بنتيم مصالحكم عليه من بث لروح الفرقة والتفسيق وربما التكفير.. ماذا تسمّونه...؟!
إن الوسطية ليست شعارا موسميا نرفعه متى نريده ثم نفسّره ضعفا وذلّاً متى نشاء، إنه منهج ربّاني مبارك تقوم عليه أسس حياة هذه الأمة وأي تبديل أو تحوير أو تحريف له هو بُعد واضح وجليّ عن مراد الله..
فالتعصب في بلادنا ما انتشر إلا حين تركنا الوسطية وقدّمنا عليها المصالح الخاصة بعد أن ألبسناها غطاءً دينيا..؟!
نعم.. هناك دفاع عن الحقوق.. وهناك اختلاف.. وهناك تبادل للآراء المتنوّعة بين الناس جميعا.. ولكن أبدا ليس هناك في ديننا إنكار لحق الآخر - أي آخر - في الاختلاف ما دام ضمن الأصول والأطر المحترمة..؟!
إذا أردتم محاربة التعصب.. فطهّروا نفوسكم أولا من تلك الفيروسات التي لوّثت فكركم وأفعالكم، ونقّوا عقولكم من التبعية العمياء لكل موروث جعلتموه دينا وإن خالف الأصول..؟! ثم وسّعوا مدارك الفكر عندكم لتصبح على مستوى هذا الدين العظيم.. وبعد ذلك إعرضوا أنفسكم على ميزان الوسطية السمحاء لتعرفوا مدى صلاحيتكم للحديث عنها..؟!