بيروت - لبنان

اخر الأخبار

29 حزيران 2018 12:05ص بعد ارتفاع نسبة الإنتحار في لبنان بين صفوف الشباب

دعوات للمعالجات الفورية والسعي الجاد للتوعية وحل المشاكل والأزمات

حجم الخط
تطالعنا وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة باستمرار باخبار وحوادث الإنتحار، حيث تُشير التقارير والدراسات الأخيرة عن ارتفاع نسبة معدل الانتحار بين الفئات الشبابية بمعدل 6 حالات في اليوم الواحد واكثرهم من فئة الشباب، والحقيقة ان المؤشرات والاحصاءات تدل على ان حوادث الانتحار تزداد في مجتمعنا يوماً بعد يوم...
ويمثل الانتحار حسب الدراسات السبب الأول في الوفيات لمن تتراوح اعمارهم بين 18 و45 سنة وبذلك تكون ظاهرة الانتحار قد انتشرت بين الشباب ولم تقتصر على المسنين.
وتلفت التقارير ان ارتفاع نسبة المنتحرين بشكل مطرد على مستوى العالم كلّه حيث يفقد إنسان حياته منتحراً والنسبة الكبرى تقع بين الشباب، ربما لأسباب نفسية أو اجتماعية أو اقتصادية... 
ما هو مفهوم الانتحار ولماذا كثر في الفترة الأخيرة وكيف يرى الدين الإسلامي هذه الظاهرة، هذا ما سنعالجه في تحقيقنا التالي:

الحوت
{ بداية قال الشيخ الدكتور إبرهيم الحوت: فى الأونة الأخيرة كثُرت ظاهرة الإنتحار في عدّة بلدان, مما جعل منها ظاهرة مروعة ومخيفة، وقد قامت دراسات عديدة لتحديد الأسباب التي تؤدي للانتحار. ومن هذه الاسباب الألم الجسدي, الاكتئاب النفسي, خيبات أمل, الوحدة, وفاة شخص مقرّب, خسارة عمل بشكل مفاجئ, اوضاع مادية سيئة، وغيرها.
 فمما لا شك فيه أن تزايد نسبة حوادث الانتحار في مجتمعنا يُعد أمراً غريباً خاصة في المجتمعٍ الاسلامي وغيرها من المجتمعات التي تعتمد احدى الديانات السماوية، حيث يحرم ايذاء النفس، وذلك لعلو شأنها ومكانتها، فنحن مؤتمنون على أنفسنا وبذلك يُحرِّم قتل النفس أو تعريضها لأي نوعٍ من أنواع الإيذاء القولي أو الفعلي وهذا ما نص عليه ديننا الإسلامي الحنيف.
فكيف أصبح الانتحار ظاهرة في عالمنا الاسلامي والعربي وقد قال الله تعالى في كتابه {ولا يقتلون النفس التي حرم الله الا بالحق} وقال تعالى {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة}...؟!
 وتابع: ان البحث في اسباب الانتحار ليس بسهل. فأسباب الانتحار تكمن بطريقة التفكير والدوافع وراء الانتحار ومن المعروف في علم النفس انه من الصعب ان يعرف انسان ما يدور بداخل اي انسان آخر.
أسباب الإنتحار عديدة فمنها تندرج تحت ما يسمى العامل النفسي ويضاف اليها عوامل أخرى كالعامل الاجتماعي والأقتصادي بنسبة كبيرة والتي قد تدفع بالإنسان إلى الانتحار.
 من أولى الأسباب هو الضعف بالوعي الديني والإبتعاد عن الله عز وجل. ان البعد الديني عند الإنسان وجهله بأمور الدنيا، وعدم إدراكه خطورة هذا الفعل المقدم عليه والجريمة الكُبرى في حق دينه ونفسه ومجتمعه يجعله يقدم علي الانتحار كحل لمشاكله غير مدرك نهاية هذا الفعل وهو العقاب الأليم في الدار الآخرة. فعدم الرضاء بقضاء الله وعدم اكتمال المعنى الإيماني في النفس البشرية من الإيمان بعلم الله الشامل فالله يعلم الغائب والشاهد، والظاهر والمستتر, وأنه لايحدث شيء في هذا الكون من خير أو شر إلا بإرادته ومشيئته فإن الإيمان الكامل الصحيح يفرض على الإنسان الرضا بقضاء الله تعالى وقدره, الانتحار لا يخرج عن كونه اعتراضاً على واقع الحال ودليلاً على عدم الرضا به. كما وعدم التحلي بالصبر والإيمان وبأن في كل ابتلاء إمتحاناً للعبد عليه تخطيه بنجاح، وبأن الله يعلم ما هو خير لنا اكثر من انفسنا فلعل الابتلاء احياناً يكون ذخراً للحسنات لنا في الآخرة ولعل المصاعب التي نمر بها ما هي إلا امتحان لقوة صبرنا، وإيمانا منا بأن الغد أفضل وبأن ما ينتظرنا هو أكثر بكثير مما حلمنا أو تخيلنا، يجعلنا أقوى بتخطي جميع عقبات الدنيا. 
 وأضاف: اما العامل الاجتماعي فله حصة كبيرة في أسباب الإنتحار وخاصة عند الطبقة الشابة. فان العولمة و الانفتاح الزائد وغير المنضبط بقواعد سليمة الذي نعيشه في مجتمعنا المعاصر, ادى إلى تقليد الآخرين والتأثر بهم في كل شأنٍ من شؤونهم, مما يجعل هناك تناقض بين ما تربينا عليه وما تأثرنا به من المجتمعات الاخرى, وما تبعه من ضياع الهوية. فالتأثر الشديد خاصة عند الاطفال وصغار السن والكبار من محدودي الثقافة بما تنشره القنوات الفضائية من أفكارٍ وموضوعاتٍ تجعل من الانتحار حلاً سهلاً لجميع مشاكل الحياة التي تقابلنا. ومن الناحية الاجتماعية ايضاً هي قلة الانخراط بالمجتمع والعزلة الشديدة التي غالباً ما تودي الى الاكتئاب والشعور بالضعف والعجز وما يتبعه من الشعور بانه ليس بذي فائدة فيبدأ بكره الحياة ونفسه والاقبال على الانتحار. فهنا يكمن دور الاهل بالإلتفات الدائم لأحوال ابنائهم وملاحظة اي تغيرات بالتصرفات او العادات عند الأطفال، واتخاذ القرارات اللازمة بضرورة استشارة أهل الخبرة في هذا المجال كالأطباء النفسيين قبل تفاقم الحالة.
مشاكل وأسباب
ويكمل الشيخ الحوت فيقول: يعود الانتحار ايضا الى احساس المنتحر بالاضطهاد من مجتمعه وعدم حصوله على حقه. كما وعدم التقدير من المجتمع والدولة للشباب تجعلهم يشعرون بحقد وعدم الانتماء لهذا المجتمع والحل يكون بمغادرة هذا المكان القاسي لمكان علّه يكون افضل. وهنا تكمن دور الدولة بالإلتفات الى حال الشباب ومحاولة اعطاء كل ذي حق حقه وتوفير لهم فرص عمل و ابسط الحقوق للعيش بكرامة في مجتمعهم.
وكثرة المشكلات الأُسرية التي أصبح مجتمعنا يعانيها, والتي اصبحت شيئاً أساسياً في حياتنا اليومية مما انتج عن ذلك ما يسمى بالتفكك الأُسري، فيصبح كل فرد يعيش في عالم منفرد ومنعزل عن الجميع، ومن هنا يأتي دور الجمعيات والمؤسسات الحكومية التي تهتم بصحة ترابط الأسر  بأن تقوم بحملات توعية تحذر من التفكك الأسري وما قد ينتج عن ذلك من مشاكل. هذه المؤسسات تحتاج دعم الدولة أولا ودعم الخيريين ثانياً لتقوم بهذه المهام كنوع من أنواع الوقاية وتجنب الأخطار التي قد تنتج عن تفكك الأسر. 
 اضافة الى العوامل الاجتماعية، هناك عوامل اقتصادية قد تؤثر على الانسان سلبا وتجعله عرضة للإنتحار. للعامل الاقتصادي اثر محدود جدا في الانتحار وخاصة ان اغلب المنتحرين على مستوى العالم ينتمون الى طبقات جيدة وقد تصل الى طبقات الأثرياء, وهذا لا ينفي وجود بعض المنتحرين من الطبقات الفقيرة بسبب عدم قدرته توفير سبل العيش لنفسه او ابنائه, كما ان اعتقاد المنتحر أنه سيضع بانتحاره حداً لما يعيشه أو يُعانيه من مشكلاتٍ وظروف سيئة. تفاقم هذه الأزمة قد يزيد من التفكير بالانتحار ومحاولة ايقاف هذه الأزمة تكمن في توفير ابسط حقوق الانسان من مكان للعيش ومأكل ومشرب وعمل يسترزق منه للعيش بطريقة افضل، وهذا ايضاً من واجبات الدولة ان تؤمن لكل انسان حقه بفرصة عمل او دراسة. 
ويختتم بالقول: في النهاية، الوثوق بالله وبقضائه وبالإيمان هو من أكثر ما يمكن ان يبعدنا عن هذه الظاهرة. قال تعالى:  {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا}،  فترسيخ الإيمان بالله عز وجل والإيمان باليوم الآخر والقضاء والقدر هو السبيل الانسب لعدم الانحراف بالتفكير نحو الانتحار. قال تعالى {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم}.
مراد
{ أما رأي علماء النفس الاجتماعي فتوضحها الاخصائية في علم النفس نوال مراد: ان الانتحار ظاهرة سلوكية مرضية يلجأ إليها الفرد كأولوية لحل الصراعات النفسية المتأزمة التي يعاني منها، حينما تعجز الانا في عملية التسوية والتوافق بين متطلبات الذات والعالم الخارجي، فهناك أفراد يعانون من اضطرابات وتناقضات داخلية والتي هي بدورها وليدة مأزق بالعلاقات على مستوى الأسرة والجماعة المحلية.
وتضيف قائلة: ان الانتحاري مثله كمثل المدمن على الكحول والمخدرات والتشرد والتسول يُعاني من مرض الانغراس الاجتماعي يتخذ هذا المرض طابع الاغتراب الاجتماعي والموقع الهامشي مما يجعل منه انساناً فاقداً لقيمته الإنسانية والذاتية وبالتالي يُعزّز مشاعر السلبية تجاه الذات بإدانتها وتبخيسها من خلال مشاعر الذنب والنقص والدونية، مما يؤدي إلى خلق شحنة هائلة من العدوان، هذه الشحنة ترتد على الذات وتولد معاناة وجودية عنيفة تجعل من الصعب إحتمالها فتبحث عن تصريف منها من خلال السلوك الإنتحاري.
وترى ان أسباب الانتحار تعود في مجملها إلى مشاكل اقتصادية تتمثل في الفقر والبطالة والخلافات الأسرية والفشل الدراسي والأسري وعدم الاستقرار والكآبة والاختلال العقلي، ويمثل العامل الاقتصادي في كثير من الأحيان سبباً رئيساً في اللجوء للانتحار... كذلك المعتقد الديني له دور أساسي في قبول فكرة الانتحار... حيث يجهل الكثير من الشباب ان الانتحار محرم فيستسهل هذه العملية وانه قرار نبيل للدفاع عن اخطاء أو خسارات كبيرة لا يحتملها العقل.
وهناك بعض العوامل الاجتماعية التي لها علاقة بالانتحار كالتفكك الأسري والخلافات الزوجية.
وتفسر ان السلوك الانتحاري يتضمن نوعاً من الازدواجية تدير الذات المدانة وصورتها السيئة يتم من خلال الجسد وبالتالي القضاء الفعلي على الوجود.