بيروت - لبنان

اخر الأخبار

15 كانون الثاني 2021 12:01ص بعد المزايدات التي حصلت حول إقفال المساجد: تنظيم الفكر الديني في بلادنا بات حاجة ضرورية

حجم الخط
ما إن صدر قرار المديرية العامة للأوقاف الإسلامية بإغلاق المساجد في لبنان بسبب تجدد انتشار فيروس كورونا في البلاد وما يشكّله من خطر واضح، حتى انتفض عدد غير قليل من الناس - وللأسف منهم بعض الدعاة - رافضين ومعارضين وأحيانا مشككين بالقرار، بل إن بعضهم ضرب به عرض الحائط واستمر في إقامة الجماعات والجمع.

طبعا لن أدخل في أبعاد عدم الالتزام بالقرار من الناحية الإدارية والقانونية التي تحتّم على كل مسجد التقيّد بقرارات المرجعية الدينية، ولن أدخل أيضا في «كارثة» تغاضي المرجعية والمديرية العامة للأوقاف عن التجاوزات الحاصلة دون رقيب أو حسيب وترك الأمور على فوضويتها..؟! ولكن أريد الوقوف عند الأبعاد الفكرية والدينية لكل رافض لهذا القرار..

الإنسان أولاً

إن القارئ المتدبّر لكتاب الله تعالى ولسنّة النبي  صلى الله عليه وسلم يدرك أن هذا الدين العظيم قد كرّم الإنسان ومصالحه الضرورية ووضعه في المرتبة الأولى في سلم الأولويات في هذا الكون، وبالتالي كل ما في هذا الكون مسخّر لخدمة الإنسان بفضل الله تعالى، {وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.

وفي سنن ابن ماجه قال ابن عمر (رأيت رسول الله  صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة، ويقول: «ما أطيبك، وأطيب ريحك! ما أعظمك، وأعظم حرمتك! والذي نفس محمد بيده، لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك، ماله، ودمه»، كما ورد في الأثر (لهدم الكعبة حجرا حجرا أهون عند الله من قتل مسلم).. مما يؤكد هذا البُعد الراقي لديننا العظيم.

وهنا تطرح الأسئلة: 

هل فتح المساجد في زمن انتشار الوباء أولى من صحة الإنسان في بلادنا..؟!

وهل إقامة الجمع مقدمة على حياة الإنسان..؟!

وهل في إغلاق المساجد في زمن الأوبئة ما يعارض شرع الله تعالى..؟!

النصوص الشرعية والروايات التاريخية كلها تؤكد أن الصواب هو في الإغلاق، وهو ما حدث في أعوام كثيرة في تاريخنا الإسلامي، ومن أراد أن يعرف فليراجع ما ذكره المؤرخون في كتبهم حول هذا الأمر... فعلام الاستنكار في زماننا..؟!

فتح والتزام بالإجراءات

وهنا قد يقول قائل... كان من الأولى أن تفتح المساجد أبوابها مع إلتزام المصلين بالإجراءات الوقائية التي أوصى بها الأطباء..؟!

دعونا إذن نقف وقفة واقعية بعيدة عن الشعارات المزخرفة التي تدغدغ العواطف الدينية عند الناس..

منذ أشهر وأئمة المساجد يطالبون المصلين بالإلتزام بالإجراءات الصحية، من ارتداء للكمامة والتقيّد بالتباعد وما شابه، ولكن هل التزموا..؟!

الواقع الذي عانينا منه أن عددا كبيرا من المصلين في مختلف المناطق اللبنانية رفضوا هذا الأمر.. نعم رفضوا التقيّد بالإجراءات الوقائية والصحية بل وجاهر البعض برفضها..

مرة تحت ستار (يا شيخ ربك الحامي)...

ومرة أخرى بقولهم (لا يجوز التباعد بين المصلين)..

وثالثة (الموضوع في تضخيم يا شيخ.. اتكل على الله)..

وقد وصل الأمر بالبعض إلى الإيمان بأن كل ما يحدث يهدف إلى محاربة المساجد ومنع الصلاة فيها وتخويف الناس منها..؟!

بل وأقول لكم وبكل صراحة أنه إذا ما حاول إمام مسجد أن يمنع غير الملتزم من الدخول حفاظا على حياة المصلين انهالت عليه التهم حتى بات (شيطان رجيم)، وللأسف قد حصل..!

والنتيجة... فوضى كارثية أدّت إلى إصابات كثيرة بين المصلين والأئمة وصلت إلى التسبب في موت العديد منهم..؟!

وحتى لا يقوّلني البعض ما لم أقله أو يعتقد أن الكلام موجّه فقط للمصلين، أقول وبكل صراحة أن الشعب اللبناني بغالبيته قد أثبت بالشواهد الدامغة فشله في مواجهة الأزمات، وبدلا من أن يكون التعاون على ما فيه مصلحة الإنسان، تعارفنا على كل ما يضرّ ويفسد الحياة، ولعل مشهد تهافت الناس على تخزين السلع الغذائية مؤخرا خير شاهد على ما نقول.

أقفلوا المطاعم والملاهي أولاً..؟!

ولعل من أكثر الأمور استفزازا ما سمعناه من البعض عبر المنابر وفي مواقع التواصل الاجتماعي من أن المساجد في لبنان لن تغلق إلا بعد إغلاق كل المطاعم والملاهي وأماكن السهر في البلاد، وكأن بيوت الله تعالى - ويا للعجب - تقارن بهذه الأماكن أو بغيرها..

لا أيها الأخوة... فالمساجد أرقى وأجلّ وأعظم من تلك الأماكن كلها... وأي مقارنة مع غيرها هي إساءة لها..

فالمساجد قدوة ومعلِّمة للناس.. والمبادرة إلى فعل الصواب.. والساعية إلى نشر الخير والتزام الحق.. وإن اخطأ الناس جميعا..

وبالتالي ليس من الصواب أبدا أن نقول أغلقوا المطاعم والملاهي وأماكن السهر حتى نغلق المساجد...

نعم.. تلك الأماكن كان يجب أن تغلق وكان يجب أن يعاقب كل من يسهر بها أو يقيم الاحتفالات.. ولكن أن نقارنها بالمساجد فتلك «مصيبة فكرية» كبيرة...؟!

التوعية بمقاصد الشريعة

 إن ما حصل في بلادنا مع صدور قرار إقفال المساجد يعبّر بصورة جليّة عن أمور لا بد أن تعالج وبسرعة..

أولا.. التقصير الواضح من المسؤولين عن الدعوة في بلادنا لناحية توعية الناس بفقه الأزمات والمحن..

ثانيا.. جهل الكثير بمقاصد الشريعة الغرّاء التي رتبت لنا أولويات الحياة في كل زمان ومكان.. وللأسف بعض الدعاة في مقدمتهم..؟!

ثالثا.. استغلال البعض لعاطفة الناس الدينية ونشر الخطابات الرنّانة البعيدة عن العلم الصحيح، وبالتالي نشر الفكر العقيم في المجتمع وتشكيك الناس في رقيّ وسمو الشريعة الغرّاء.

إن الصمت المخزي الحاصل من حولنا والمتغاضي عن الركود والجمود والتحجر في الفكر الديني السائد في المجتمع، والذي يترك الساحة لكل من هبّ ودبّ ليتكلم ويقول في ظل غياب واضح للمسؤولين عن ميدان الدعوة لن يترك إلا كوارث فكرية ستنفجر في وجوهنا جميعا في المستقبل، وبالتالي لن نرى في الغد القريب في مجتمعنا إلا قسمين من الناس...

إما أشخاص التزموا التديّن المغشوش المبني على الخرافات..

وإما أشخاص نفروا وابتعدوا حتى شكوا في أمور دينهم..

وفي الحالتين نحتاج إلى نازع لفتيل الإنفجار قبل فوات الأوان..؟!