بيروت - لبنان

اخر الأخبار

16 تشرين الأول 2019 12:05ص تأكيد على أن إنتشار جرائم القتل في المجتمع نذير فساد وخراب كبير

بعد أن أصبحت خبراً شبه يومي في بلادنا

حجم الخط
حذّرنا الإسلام في عدد كبير من نصوصه من ظاهرة القتل وبيّن لنا بأنها جريمة محرّمة في الإسلام، لقول النبي عليه الصلاة والسلام: «كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه».

بل أخبرنا عليه الصلاة والسلام عن ظاهرة كثرة القتل وحذّرنا منها؛ فقال: «يتقارب الزمان، وينقص العلم، ويُلقى الشح، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج». قالوا: يا رسول الله أيما هو؟ قال: «القتل القتل».

وإذا كانت جرائم القتل من قبل بعض الأنظمة والفرق والغلاة مكشوفة ومعروفة بسبب الصراعات والخصومات فإن غير المفهوم هي جرائم قتل أفراد الأسرة الواحدة لبعضهم بعضا والتي باتت منتشرة في مجتمعنا اللبناني بشكل مريب ومخيف. فلا يكاد يمرُّ علينا أسبوع أو اثنان إلا ونسمع عن فرد قتل فردا من عائلته هنا أو هناك، والسبب كما يقال خلاف على إرث أو على مال.. أما الضحية فأب أو أخ أو أخت أو أم... والآتي أعظم..

لماذا انتشرت هذه الظاهرة في بلادنا...؟!

ولماذا استباح الناس القتل حتى أصبح سهلا عندهم..؟!

بل لماذا تقبّلنا نحن هكذا أخبار فما عادت تؤثّر في كثير منا..؟!

وهل هذه الجرائم مؤشر لجرائم أكبر استقرّت في نفوسنا قبل عائلاتنا وشوارعنا..؟!

حرمة القتل

{ بداية نقول أن قتل النفس محرّم في الإسلام تحريم قاطعا فقد قال الله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ}، والنفس التي حرّم الله هي النفس البشرية عموما، فهي من أولى الضرورات الخمس التي جاء الإسلام بحفظها، فالنفس معصومة وكرامة الإنسان محفوظة قال تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}، وقال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً}.

ومن أجل ذلك وضعت الشريعة الإسلامية تدابير عديدة كفيلة بحفظ النفس من التلف والتعدّي عليها بل سدّت الطرقَ المفضية إلى إزهاقها أو إتلافها أو الاعتداء عليها وذلك بسدّ الذرائع المؤدّية إلى القتل.

فهي نهت عن القتال في الفتنة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار»، قيل يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: «إنه قد أراد قتل صاحبه».

كما أن الإسلام نهى عن الإشارة بالسلاح فقال صلى الله عليه وسلم: «من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى يدعه, وإن كان أخاه لأبيه وأمه»..

وكذلك نهت الشريعة الغرّاء عن السبّ والشتم المفضي للعداوة ثم التقاتل فقال تعالى: {وَقُل لّعِبَادِى يَقُولُواْ الَّتِي هِي أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَـانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَـانَ كَانَ لِلإِنْسَـانِ عَدُوّا مُّبِينًا}.

إذن .. إذا ما وصل الأمر بإنسان إلى مرحلة القتل فهذا دليل على إنه لم يفهم أمور دينه ولم يلتزم بها ولم يعمل بمقتضياتها، فكيف إن كان الأمر قد وصل إلى مرحلة قتل الأب لابنه والزوج لزوجته والابن لأبيه..؟!

إنها بلا شك كارثة كبيرة تدفعنا دفعا لدراسة أسبابها والبدء فورا بعلاج حاسم وفعّال..

اللقيس

{ بداية أكد الشيخ غسان اللقيس فقال أن القضية ليست في حدوث جريمة هنا أو حادثة هناك، فالجرائم موجودة منذ زمن طويل ولكن الكارثة الحقيقية هي وصول هذه الجرائم إلى أوثق العلاقات البشرية وهي الأسرة ورؤية أفرادها يتقاتلون ويتخاصمون في سبيل إرث أو مال أو مصلحة شخصية، فنحن إن فقدنا الأسرة أي أمن سيبقى لنا بعد ذلك..؟!

وقال: وهذا كله يدلّ على إن الأهل بداية أهملوا التربية في مرحلتها الصحيحة وسعوا إليها في غير أوانها، لذا نقول أن على الوالدين دورا بارزا في مراقبة الأبناء أولا وتوجيههم نحو الطريق الصحيح، ثم إبعادهم عن رفاق السوء والتحاور معهم والاطلاع على أفكارهم وأنماط التفكير الموجود عندهم حتى يتعاملوا معهم التعامل الصحيح الذي يقوم ويصلح، كما عليهم متابعة ما يطّلعون عليه خصوصاً على شبكات التواصل الاجتماعي، فإن إعطاء حيز من أوقاتهم لأبنائهم أمر هام جدا.

وتابع: بعض العلماء حين عرّف التربية في الإسلام قال أنها إنشاء الإنسان إنشاء مستمراً من الولادة حتى الوفاة هذا على الامتداد الأفقي، أما على الامتداد الرأسي فهي تربية كاملة متوازنة، عقلية بالمعرفة وجسمانية بالرياضة ونفسية بالإيمان وهي جامعة من حيث أنها تغرس القيم الخلقية والاجتماعية التي تحمي الإنسان من أخطار الاضطراب والتمزق. فإنما أدركنا هذا التعريف وطبّقناه في حياتنا لن نصل إلى ما نراه ولن نسمع عن حوادث قتل هي في حقيقتها عمليات إدانة للمجتمع كله..

واختتم: لقد تحوّل العنف الأسري في بلادنا إلى جرائم تفزع المجتمع وتنذر بالشؤم المستقبلي، والملفت أن نسبة كبيرة من مرتكبي جرائم العنف هذه يرتكبونها بملء إرادتهم وهم واعون لما يفعلون، كما أن نسبة كبيرة من مرتكبي هذه الجرائم لا تلتزم بأداء الفروض الدينية بانتظام.. وليس صحيحا أبدا أن الفقراء وحدهم من يتجهون إلى جرائم القتل الأسري بل الطبقة اليسورة أيضاً.

إذن هناك مشكلة في التفكير والعقل والدين وأساليب التربية ونظام المجتمع والمطلوب خطة فورية تعي خطورة هذه الظاهرة وتبدأ بالعلاج السريع دون أي تراخي أو مماطلة فالوضع فعلا خطير ولا يجوز السكوت عنه أو التغاضي عن أسبابه ونتائجه.

قوزي

أما الشيخ د. مازن قوزي فأشار إلى أن الإسلام منهج حياة لكل مسلم ومسلمة وهو منهج متكامل يعطي الفلاح في الدنيا والآخرة إذا ما أحسنا فهمه والعمل به،  والإسلام اهتم اهتماماً كبيراً بالأسرة لأنها أساس تنشئة الأجيال، وأهم أدوار الأسرة هي التوعية والإرشاد والتوجيه والتعليم الصحيح من أجل تقوية الوازع الديني وترسيخ العقيدة الصحيحة من الصغر وأيضا من أجل منع انحراف الأبناء في مختلف المراحل العمرية التي يمرون بها.

ولكن حين يتربّى الأبناء في أسرة لا دين فيها ولا خلق ولا إرشاد صحيح تصبح بيئتها حاضنة لنماذج متطرفة ومنحلة قد تصل في يوم من الأيام إلى مرحلة قتل الآباء أو الأمهات أو الأزواج... وهذا ما رأيناه للأسف.

وتابع: المشكلة الحقيقية هي أن الأسر بحد ذاتها تحتاج توعية وتدريباً وتأهيلاً على أساليب التحصين والتربية، لا سيما أن الوعي والمستوى الثقافي والتعليمي أصبح معيبا، الأمر الذي يقتضي تعاوناً بين كافة الجهات المسؤولة من أجل ضمان مستقبل هذه البلاد، وعلينا كلنا أن نسعى لإعداد برامج ومناهج سليمة تعالج أسباب هذه الجرائم التي انتشرت في مجتمعاتنا.

فلننظر بداية إلى ما يقدّمه الآباء والأمهات لأبنائهم.. ثم إلى المدارس والجامعات.. ثم إلى الإعلام.. ثم إلى المجتمع ككل... ثم إلى تطبيق القوانين التي تحمي الإنسان حتى من نفسه..؟!

وتابع: إذن نحن أمام مشكلة كبيرة وخطيرة هي انسلاخ الناس عموما من قيمهم الإنسانية وانحدارهم إلى مستوى متدنٍّ جدا أوصلنا إلى الحالة التي نحن عليها الآن، ولا حل إلا بعودة واعية إلى الدين وإلى الأخلاق عبر تربية سليمة وتنشئة صحيحة تقوم على كتاب الله وسنّة النبي.

واختتم قائلا: أن التنشئة السليمة المبنية على العلم والإيمان للأسر هي أساس استقرار المجتمعات وأمنها، فالأسرة المتماسكة هي السبيل الوحيد لقطع الطريق على كل الجرائم وكل مظاهر الفساد بل وحتى على الكيانات الإرهابية التي تبث سمومها خلسة في نفوس أبنائنا، فلنحسن الإعداد والتربية حتى نبقى مجتمعا إنسانيا.