بيروت - لبنان

اخر الأخبار

2 شباط 2024 12:00ص تعالوا نصلح العلاقة مع القرآن الكريم

حجم الخط
يقول الله تعالى في كتابه الكريم: {إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً} ومن يتدبر هذه الآية وغيرها الكثير من الآيات المشابهة يدرك تمام الإدراك أن كتاب الله تعالى ليس كتاباً يُقرأ بالألسنة أو يحفظ في الذاكرة وانتهى الأمر، بل هو منهج رباني مبارك أنزله المولى تعالى على قلب رسوله صلى الله عليه وسلم ليعمل به الإنسان المسلم في كل أمور حياته الخاصة والعامة، ليكون حقاً ويقيناً ممن تنطبق عليه الآية المباركة: {قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّـهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي}.
ولذلك نكتب اليوم لنقول أن أول سبب من أسباب التراجع العام والشامل الذي أصبنا به هو أننا حرّفنا طبيعة علاقتنا مع كتاب الله تعالى، حتى صار عندنا فقط.. كتاباً للقراءة أو للتلاوة، أو ربما لتزيين البيوت بلوحات تضم بعض آياته..؟!
فما هي أبرز السلبيات التي علينا التخلص منها فورا حتى نتعامل مع القرآن بشكل صحيح؟

القراءة ليست لسانية

على مدى سنوات وسنوات اقتصرت علاقة المسلمين بالقرآن الكريم على اللسان.. فهم لا يبالون إلّا بـ(قراءة) القرآن، فنشأت بينهم أجيال لا تعرف من القرآن إلّا القراءة، ولا تعرف عن حضارته إلّا النصوص اللسانية، أما التدبّر والتفقّه والتفكّر والسعي لاستخراج الدّرر التي يحتويها ثم العمل بها، فبكل أسف هذا أمر مفقود..؟!

هذه المشكلة كيف انتشرت؟!...

انتشرت بعد انتشار «الفهم الأعوج» لبعض الآيات وبعض الأحاديث النبوية، مثلا بالقرآن الكريم نجد مثلا قولَه تعالى: {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابا مَّسْتُورا}، فهل المقصود بـ(قرأت) هنا.. تمرير الآيات على اللسان، كلا.. صحيح أن القراءة مطلوبة، وأن لمن يفعلها الأجر الكبير والثواب العظيم، ولكن ليس لذاتها كقراءة مجرّدة للقرآن، بل لأنها الباب الذي من خلاله تدخل الآيات إلى العقول فتتفاعل معه ثم تلامس القلوب، فتعمل الجوارح على تصويب الأخطاء الحياتية، لتصبح حياتنا ترجمة سلوكية للقرآن الكريم، إذن.. هذه العملية العقلية والمعرفية والسلوكية التي تُعرف بمصطلح (القراءة) هي المقصودة، وليس القراءة القولية أو اللسانية.

التفسير ليس واحداً

أما بالنسبة لتفسير القرآن أو فهمه من خلال المفسرين، فالقرآن كما قال العلماء هو كلام الله تعالى المُنزل على نبيّه محمد صلى الله عليه وسلم المعجز بلفظه، المتعبّد بتلاوته، المُفتتح بسورة الفاتحة، والمُنتهي بسورة الناس، المكتوب في المصاحف، والمنقول إلينا بالتواتر، وهو كما أخبر الله تعالى في كتابه الكريم {لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}، أما تفسير القرآن فهو الجهد البشري الذي من خلاله يتم فهم آيات القرآن الكريم ومعرفة دلالاتها وهو جهد مبارك، ولكن جهد بشري، أي يحتمل الخطأ والصواب ويحتمل الاختلاف والتباين.
فالقرآن الكريم كتاب معطاء لكل زمان بما لدى أهله من معطيات، ومن علوم، ومن وسائل، ومن مستحدثات، ومن تقدّم فكري وعلمي، وأيضا فهم الناس له أو تفسيرهم للقرآن يختلف باختلاف الأفهام والأزمنة والأمكنة والمعطيات، ولذا نجد اختلافاً بين المفسرين في فهم الآية الواحدة، وبالتالي لا ننكر على أيّ من المسلمين ما قاله وما اجتهد فيه خدمة لكتاب الله تعالى وما اقتنع به من تفسير معتبر، ولكن أيضاً ليس من باب العلم الصحيح ولا من باب العلاقة الصحيحة مع القرآن الكريم، أن نحصر عطاء هذا الكتاب في خانة (احتكار شخص للحقيقة)، فأن يأتي أحدنا إلى مفسّر أو عالم أو لفقيه ثم يقول تفسيره للقرآن هو التفسير الوحيد الصحيح وكل ما عداه أو خالفه هو باطل ومنكر.. فهذا تعدٍّ على كتاب الله ومنع لعطاءاته..؟!
إن هذه النظرة «الأحادية» في التعامل مع تفسير القرآن الكريم، أضرّت كثيراً بجيل كبير من الشباب المسلم، الذي اختلفت ظروف ومعطيات وأدوات العلم والمعرفة عنده، فراح يتدبّر كتاب الله بفكر وعقل وأسلوب جديد، فإذا به يحارب ويتهم ربما بالكفر والإلحاد، فقط لأنه لم يقتنع بتفسير بشري معيّن لكتاب الله تعالى وحاول الاجتهاد والتفكّر.
وبكل تأكيد لا أتحدث هنا عن الآيات المحكمة البيّنة والواضحة التي لا يلتبس معناها على عاقل، ولكن أتحدث عن الكثير من الآيات المتشابهة التي جعلها ربنا سبحانه وتعالى فسحة علم يحقّق من خلالها عباده فضيلة التفاعل الصحيح مع كتابه الكريم في كل عصر وكل مكان..؟!
نعم.. قد تكون هناك قناعة شخصية عند إنسان مسلم بمَيل فكري وقلبي وعقلي للعالم الفلاني أو لغيره، وهذا حقّه ولا جدال في ذلك، ولكن الذي ليس من حقّه، هو أن يرفض كل غير هذا العالم أو المفسِّر فينكر على كل آخر فهمه..؟!

العمل واجب للإصلاح

هذه النقاط وغيرها لعبت دوراً كبيراً في تراجع مكانة القرآن وآياته في نفوس الناس، وفي فكرهم، وفي أفعالهم، وفي أقوالهم، وفي استدلالاتهم بالقرآن الكريم، وكلها تؤكد على أننا لم نتعامل مع القرآن كما أمر القرآن.. فازداد البُعد بُعداً والهجر هجراناً، وتأكّدت الفجوة الإيمانية والفكرية والعلمية الحاصلة بيننا وبين كتاب الله.
لذلك نقول أن سوء التعامل مع القرآن الكريم أنبت بيننا جيلاً من الشباب المسلم لا يعرف الفرق بين الآية القرآنية وبين الحديث النبوي، ولا بين المثل الشعبي وبين القول المأثور، لأنه وباختصار، لم يتعلم كيف يتعامل مع هذا الكتب الكريم، وواجبنا أن نعمل لتنقية أنفسنا وفكرنا وسلوكياتنا وأخلاقنا وأقوالنا من كل هذه السلبيات، حتى نكون في حركة حياتنا كلها من الذين أحسنوا التعامل مع كتب الله تعالى في كل أمورهم وإلّا.. صدّقوني سنكون أول من أساء.. وأول من شوّه.. وأول من نفر الناس عن القرآن الكريم..

bahaasalam@yahoo.com