بيروت - لبنان

اخر الأخبار

20 أيار 2019 12:13ص .. جراحة جسدية بلا مبضع

حجم الخط
يقول ابن القيم رحمه الله: المقصود من الصيام حبس النفس عن الشهوات، وفطامها عن المألوفات، وتعديل قوّتها الشهوانية لتستعدّ لطلب ما فيه سعادتها.

ويقول الإمام الغزالي رحمه الله: الصيام زكاة للنفس، ورياضة للجسم، وداعٍ للبر، في جوع الإنسان صفاء للقلب، وإيقاد القريحة، وإنفاذ البصيرة، لان الشبع يورث البلادة ويعمي القلب.

ويقول أحد الباحثين في علم النفس العلاجي: ان الصوم أمر جوهري لسكان المدن المعرّضين باستمرار لدخان السيارات وأبخرة المصانع وغيرها من ملوّثات الجو السامة، ان العلاج هو من خلال الصوم ووصفه بانه عملية جراحية باطنية دون مبضع جراح.

ويقول أحد خبراء التجميل: ان الصوم أفضل من مستحضرات التجميل لأنه يعطي جهاز الهضم راحة تامة، ويتيح للجسم الفرصة ليتخلص من السموم والفضلات المتراكمة، ويرمّم نفسه بنفسه.

فما أجمل مدرسة الصيام، وما أنفع التربية بالصوم، ليت المسلمين تربّوا في هذه المدرسة حتى تخلص نيّاتهم لله تعالى فتكون أجسادهم وأبدانهم سليمة، وسرائرهم خالصة وعلانياتهم صالحة.

كم ان الصائم يجد في الصوم ما لا يجده في غيره من الشعائر التعبّدية، لذلك نجد كثيرا من المسلمين يتردّدون على هذه المدرسة طوال العام، فهم يصومون الثلاثة البيض من كل شهر كما أنهم يصومون الاثنين والخميس لان العمل فيهما يصعد الى الله تعالى ويحبون أن يصعد عملهم وهم صائمون.

والمسلم يكثر من الصوم لأنه خير سبيل للتقوى وبالتقوى ينال معيّة الله ومحبّته {ان الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون}... {ان الله يحب المتقين}.

من أجل ذلك كان ثناء الرسول صلى الله عليه وسلم على نبي الله داود حين قال: أفضل الصيام صيام داود، يصوم يوما ويفطر يوما... والمسلم في هذه الحياة الجاذبة بشهواتها، والكالحة بحوادثها وفتنها التي تعصف بالمسلمين كل يوم عليه أن لا ينقطع عن الصوم ولا يغيب عنه كثيرا، فبالصوم تطمئن نفسه ويسلس قيادها ويكبح جماحها وهذا هو عين الفلاح... {قد أفلح من زكّاها}.

انه لا ارتقاء بلا إرادة، ولا صعود من دون مثابرة وتحفيز النفس نحو العلى، لان التطوير عملية صعبة ينتقل الإنسان من شيء مألوف اعتاد عليه الى شيء أفضل وأرقى لم يكن له به سابق عهد، فإرادة الصائم لا تعرف عقبات مستعصية، بل هي إرادة تسعى لتذليل العقبات ومواجهة الميول الى إرتكاب المعاصي والآثام.

ان الثواب على قدر المشقّة ومن بعده يكون الجزاء الأوفى، وقديما قالوا من كانت بدايته محرقة كانت نهايته مشرقة وان التهذيب حصيلة التعذيب.