بيروت - لبنان

اخر الأخبار

15 آذار 2019 12:24ص حق الطريق في بلادنا خُلُق غائب...

وحجازي: المخالفات غير مقبولة والعمل مطلوب لتحقيق الأمن لجميع الناس

حجم الخط
لم يدع الإسلام كبيرة ولا صغيرة في شؤون الإنسان وما يصلحه في هذه الحياة إلا وأرشده إليها، ومن ذلك الاحتفاظ بالمظهر الحضاري في سلوكياته في الطريق وتعامله معه، فمن الآداب التي حضنا عليها ذلك الدين القويم آداب الطريق فهي التفاتة جمالية بحق ومظهر تربوي وجمالي عميق يحفظ السلوك الإسلامي في الشارع، وفي نفس الوقت يبقى على نظافة الطريق الذي يستخدمه النّاس في حاجاتهم، ما يعكس صورة حضارية جذّابة للمجتمع المسلم تلفت نظر أهله ونظر غير المسلمين من زائرين أو مسافرين.
وللأسف هناك فئة من مجتمعنا هداهم الله تراهم في الشارع يتصرفون تصرفات جنونية وتصرفات خارجة عن العقل والمنطق وتصرفات دالة على ضعف في العقل وعلى قلة مبالاة بالنفوس والمجتمع، وعدم رعاية الأنظمة والقوانين.
هذه التصرفات نراها من بعض السائقين المتهورين الذين نراهم في سيارتهم يتصرفون تصرفات جنونية خارجة عن العقل والمنطق، وغرضهم الوصول إلى حاجتهم مهما كانت الظروف ولو على جثث النّاس ودون التقيّد بأي أنظمة - قوانين السير.
والأمر ليس موجهاً لأصحاب السيّارات فحسب بل أيضاً للمشاة الذين بدورهم يتفلتون من كل قانون فنراهم يسيرون وسط سيّارات دون رقيب أو حسيب فماذا لو صدمت سيّارة مواطناً يرفض الوقوف على الإشارة الخاصة به فجرح أو مات...
وحدِّث ولا حرج من قلة الحياء التي يمارسها بعض الشباب الذين لا شغل لهم في حياتهم إلا استيطان الأرصفة وتسميع الفتيات من الكلمات البذيئة، و«التلطيشات» المخدشة للحياء...
كثيرة هي الأمور التي نشاهدها على الطرقات والتي لا يراعى أصحابها القوانين التي وجدت من أجل تنظيم العلاقات بين أفراد المجتمع وضمان السير العادي لمختلف القطاعات الحيوية داخلة... وتعتبر قوانين الطرقات من أهم القوانين التي تنظم ذاك الفضاء الفسيح، فلماذا لا يلتزم المواطنون بقوانين الطرقات التي تحميهم وتحمي الآخرين وتؤمن الراحة للناس خلال سيرهم في الطرقات. هذا ما سنعرضه في تحقيقنا التالي: 

آراء مختلفة
{ ولا شك ان الكثير من المواطنين والناس منزعجون من المضايقات التي تعترضهم في الشوارع، فالسيد بلال شهاب يقول على الرغم من ان الأرضية وجدت لكي يسير الإنسان عليها وللحماية من السيّارات في الشوارع، ولكن للأسف الشديد نرى الكثير من أصحاب المحلات التجارية وكأن الرصيف ملكهم يعرضون بضاعتهم، والأمر المستفز الآخر هو وضع الدراجات النارية امام محلاتهم لحجز موقف لسياراتهم بحجة انهم يريدون إفراغ بضائعهم.
{ أما الشابة آلاء فرحات فتقول لم يعد أحد يحترم قواعد الطريق، فالسير على الطرقات أصبح عبئاً على الكثيرين... فكيفما نسير في الشوارع نرى شلة من الشباب العاطلين عن العمل يجلسون على الطرقات وما ان تمر فتاة من أمامهم حتى  ينهالوا عليها بالكلمات البذيئة التي تخدش الحياء... فلم يعد أحد من النّاس يحترم قوانين الطرقات فماذا نفعل هل نظل في المنازل ولا نخرج من بيوتنا وغيرها من الأمور التي تصادفنا في الطرقات واحياناً كثيرة نرى الدراجات النارية تسير على الأرصفة غير مبالين ان الرصيف هو للمشاة بل همهم الوصول إلى تقضية أعمالهم.
{ اما السيدة مهى صعب فتقول: أكثر الأمور التي تزعجني وتضايقني هم الشباب الذين يسيرون بسيارتهم في الشوارع واصوات الأغاني تملأ سكون الليل، أو الشباب الذين يقومون بألعاب بهلوانية في منتصف الليل على دراجاتهم النارية غير آبهين ان هناك اناساً نائمون أو مرضى لا هم لهم سوى اللعب والتسلية في منتصف الليل وازعاج الآخرين.
حجازي
{ وفي هذا الإطار يقول الدكتور الشيخ وفيق حجازي: بداية لا بد من القول بأن الإسلام دين الأخلاق، وأنه بقدر كمال أخلاق المرء يكمل إيمانه، ونقصه بنقصه، وقد قال عليه الصلاة والسلام إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق، ومن مكارم الأخلاق التي حث عليها الإسلام إعطاء الطريق حقه، فللطريق حقوق في الإسلام لأنه مصون من الاعتداء عليه، ولأن الإسلام دين مجتمعي وليس انعزالياً فقد اكد على الحقوق المتعلقة بالآخرين ومنها حقهم في الطريق، بحيث اعتبر  أن للطريق حقا لا يقبل الاعتداء عليه، وأن الواجب على المسلم ان يعرف حقوق الطريق وواجباته كذلك ، وأن يزيل الأذى عن الطرقات لا أن يؤذي الآخرين فيها ،فهذا ليس من الإسلام، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إياكم والجلوسُ في الطرقات» قالوا: يا رسول الله ما لنا بدٌّ من مجالسنا نتحدَّثُ فيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريقَ حقه»، قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال: «غض البصر وكف الأذى وردُّ السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر».
واضاف: وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أنه لا يسمح لأي أحد أذية الناس مطلقا كاستخدام الطريق لنفسه بحيث يغلق الرصيف لأجل متجره ويحتكره دون الآخرين ويؤذيهم في سيرهم أو استخدامه مقهى له ومجلسا لرفقاء السوء ،أو موقفا خاصا لأغراضه، فضلا عن تتبع عورات المسلمين وأذيتهم في انفسهم واموالهم وإقلاق راحتهم ، فالطريق حق عام ومنفعة عامة كذلك، واستخدامها للبعض  دون الآخرين غير مقبول، وهذا مخالف لقواعد الإسلام وضوابطه، لأن من خوارم المروءة تتبع عورات المسلمين أو رمي النفايات على الطرقات أو استخدام الأرصفة لقضاء الحاجات، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه عندما  قال اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ، قَالُوا: وَمَا اللَّعَّانَانِ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ، أَوْ فِي ظِلِّهِمْ»
وتابع قائلاً: ومن هنا نقول إن أهم ما تميز به الإسلام مراعاة الأخلاق والآداب لأن في ذلك ارتقاء للأمة وتميزا لها عن غيرها فجلوس شباب على ناصية الطرقات يؤذون المارة رجالا وفتيات، وتسافه البعض في الطرق وأذية الناس في منازلهم وإقلاق راحتهم أمر لا يصح ولا يقبل شرعا ولا يسمح قانونا، وللأسف فقد أضحت شوارعنا اندية للتلوث الفكري والبيئي والنفسي ؛لأن الأمر لم يقتصر على الجلوس فقط على الطرقات بل تعدى الأمر لاستخدامها للسباق بين السيارات والدراجات النارية من شباب متهور في مخالفة صريحة لأنظمة السير مما يرتب حوادث قاتلة  تزهق أرواحا أو تسبب في إعاقات جسدية للناس، ومن هنا تقع المسؤولية القانونية على الدولة بأن تأخذ موقفا حازما من هذه المخالفات والأخذ على أيديهم واتخاذ الإجراءات الرادعة دون تغطية لأي يكن ؛لأن هذه المخالفات غير مقبولة شرعا والعمل يلزم أن يكون جادا بما يسهم وأمن وسلامة وحماية وطمأنينة جميع الناس.
ومع هذا فقد اعتبر الإسلام أنه قد يكون هنالك بعض حالات تتطلب الجلوس في الطرقات فوضع لها قواعد ثابتة وأصولا واضحة جلية بحيث لا يكون مؤذيا للآخرين لتحقيق النفع العام، لكن من كان لا بد له من الجلوس في الطرقات فعليه أن يلتزم بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم بإعطاء الطريق حقه من حفظ اللّقطة وإرشاد الضال ورد الباغي عن ظلمه وحسن المقابلة وإزالة المنكر وهداية الأعمى وإماطة الأذى عن الطريق وأن يدل المستدل على حاجته وتحمل بشدة ذراعيك مع الضعيف وتسعى بشدة ساقيك مع اللهفان المستغيث فهذا كله صدقة منك على نفسك وتؤجر بهذا الفعل، ورد السلام على من عرف ومن لم يعرف وهو من حق المسلم على أخيه المسلم.
واختم بالقول: ولذلك كان لا بد من تربية الأبناء والأنفس على أخلاقيات الإسلام حفاظا على حق الطريق والجار، وأن تكون شوارعنا نظيفة امتثالا لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل: نظفوا بيوتكم وأفنيتكم أي خارجها ولا تشبهوا بيهود، فمن غير المقبول بالكلية أن تكون شوارعنا وأرصفتنا وطرقاتنا ومحيط منازلنا ليست نظيفة بيد أن تكون اماكن موبوءة بكل أنواع الأذية للآخرين لأن ذلك يتنافى وأخلاق الإسلام ويتضاد ووصية رسول الله صلى الله عليه وسلم.