بيروت - لبنان

اخر الأخبار

27 كانون الثاني 2021 12:01ص حكاية بلد... اسمه لبنان

حجم الخط
اسمحوا لي أيها الأفاضل أن أروي لكم حكاية بلد اسمه لبنان، فيه حكام ليسوا بحكام، ومسؤولون لا يعرفون المسؤولية، وشعب ليس بشعب، وفيه الكل ينادي بالوطنية، والكل ينتمي لغير الوطن، والكل يطالب بالحقوق، ولا أحد يريد القيام بواجباته، فأصبح لبنان هذا بلد كل الانتماءات.. ما عدا الانتماء الوطني..؟!

ودعونا نبدأ بشعب هذا البلد..

«شعب لبنان العظيم» كما يقال عنه... يعاني منذ عشرات السنوات من أوضاع مأساوية تحيط به في مختلف النواحي، ويا للعجب.. لم يقم أحدهم بخطوة إصلاحية تغييرية تعيد الأمور إلى نصابها، بل باتوا جميعا يعيشون في «عجز عملاني» استقرّ في عقولهم وسلوكياتهم حتى بات هذا العجز من «فولكلوريات» التفكير اللبناني..؟!

ورغم معرفتهم بسنّة الله تعالى التي وضع لنا القاعدة الذهبية في هذا الأمر فأخبرنا {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ}، فهم لم يحسنوا فهمها ولا العمل بها..

وفي لبنان هذا.. حوّل الشعب نفسه بنفسه إلى مجموعة من الطوائف.. قدمت مصالحها الخاصة على كل شيء، حتى خسروا كل شيء، ولم يبقَ لهم إلا الزعماء، فراحوا يقدمون مصلحة الزعيم على أنفسهم وعلى أولادهم وعلى بلادهم..؟!

أفراده يعانون ويذلّون ويهانون ويجوعون ويمرضون ويفقرون ويحرمون من أبسط الحقوق الإنسانية... فلا يتحركون، لأن المهم.. أن يكون الزعيم في قصره مرتاح البال يوزع ابتساماته للأتباع والأزلام، ويتكرّم بعطاياه بين الحين والآخر عليهم..؟!

وليس في لبنان هذا.. أحد من الشعب بريء، بل كلهم مسؤولون وكلهم مقصّرون وكلهم مذنبون، بل إنهم يعيشون في غرور مستغرب ومستهجن... فيشعر كل واحد منهم - لمجرد تأييده لفلان أو علّان - أنه هو الرئيس وهو الوزير وهو النائب وهو المفتي..؟!

والكارثة الكبرى.. أنهم تركوا ما يعانون من شظف العيش وضيق الحال وذلّ الحياة، وتفرّغوا لتبادل الاتهامات والتخوين فيما بينهم... فأضحى هذا البلد بأبنائه مجتمعا «يرضّع» أبناءه لغة التخوين والعمالة والحقد والتعصب والفرقة والتخاصم ولم يحصدوا سوى القتلة والمجرمين والجهلة وقطّاع طرق، ومع ذلك لم يتعلّموا..؟!

المسؤولون

أما المسؤولون في لبنان هذا.. «ففراعنة بلباس التقوى»، و«أبالسة بعباءة الأولياء»، الحكم عندهم حق ثابت لهم، وممنوع أن ينازعهم فيه أحد، بل جريمة كبرى أن ينكر عليهم أحد، فهم المعصمون، وهم أصحاب الرؤية الشاملة والكاملة والصائبة وهم منبع الوطنية التي تعبّر عن مستقبل البلاد ورخائها، وبدونهم فالبلاد تنهار وتضيع وتدمّر، لأنهم صمام الأمن والأمان ومصدر السعادة وسبب كل شيء جميل..

مسؤولون.. ممنوع على الشعب أن يسألهم.. أو أن يعرف ماذا يعملون... أو ماذا يخططون... فهم الآمرون الناهون وعلى الباقي السمع والطاعة.

أشخاص تسلّقوا كراسي المسؤولية حتى اعتبروه مُلكا لهم محظور التنازل أو التنحي عنها، وإن مات الشعب وتدمّر البلد، فهم الأساس وما سواهم طفيليات لا قيمة لها..؟!

بل إنهم ذات مرة وحين حدوث انفجار ضخم دمّر نصف العاصمة وقتل المئات وجرح الآلاف وشرّد مئات الآلاف، تحمّلوا كل النتائج ولذلك خرجوا على الشعب وعبّروا عن أسفهم.. «فجزاهم الله خيرا»...؟!

ومن إبداعاتهم العبقرية.. أنهم زرعوا في نفوس أتباعهم ثقافة شيطانية خطيرة هي ثقافة النكايات، وهي ثقافة تقوم على محاسبة كل آخر دون محاسبة النفس، ويدعمون «اجتهادهم» هذا بغطاء ديني وطائفي ومذهبي من هنا وهناك... فانتشرت العداءات وسادت المفاسد ووصل الأمر إلى حقيقة مرّة تقول أن الحق في لبنان هو الضحية الأولى.

والعجيب.. أن هؤلاء «الجهابذة» يطلّون كل مرة على أتباعهم ليقولوا بلسان كذب.. «نحن نريد الحق ولا نريد نصرة شخص أو جماعة على حساب الحق..؟!».. والأعجب.. أن الاتباع يصدّقون ويصفّقون ويهتفون... ثم يعودون بذلّ واضح إلى حياتهم.. يبحثون عن لقمة تسدّ جوع أبنائهم..؟!

دينياً وثقافياً واجتماعياً

أما من الناحية الدينية والثقافية والاجتماعية فلبنان الذي نتحدث عنه لم يقدّم أبناؤه شيئا يذكر على أي من الأصعدة التي ذكرناها..!؟

بل ثقافيا... ازدادت الهوة مع المثقفين وأصبح كل مثقف مشروع «كافر» في نظرالشعب، فهجروا الثقافة بكل معانيها النبيلة حتى خلت الساحات من أعمالهم وإبداعاتهم..؟!

واجتماعيا... لا أثر واضح لأعمالهم في أي ميدان اجتماعي، اللهم إلا بعض النشاطات التقليدية النمطية التي لا تغني ولا تسمن من جوع.. خاصة في المناسبات الدينية والوطنية التي حوّلوها إلى احتفالات جوفاء..؟!

واقتصاديا... ما زال الشعب أسيرا لثقافة الاستهلاك والانفاق السلبي دون أن يبادر ولو لمرة في تحويل الثقافة الاقتصادية إلى ثقافة الإستثمار الإنتاجي الذي يؤمّن بعضا من الاكتفاء الذاتي..!؟

وأما على صعيد الفكر الديني.. فالأمر كارثي بكل ما للكلمة من معنى...؟!

فالشعب في لبنان ما زال إلى اليوم يرفض أي تفاعل حقيقي مع الدين ويأبى أي تعايش حضاري معه، بل ما زالت العلاقة مع الدين قائمة على استحضار نظرية المؤامرة عند كل أزمة، حتى بات كل مذهب مستهدفاً ولا بد أن يحارب كل آخر في سبيل الدفاع عن نفسه، وبدلاً من أن يصنعوا بفكرهم وجهدهم ما يكون موروثا للأحفاد في المستقبل كما فعل الأقدمون، فضّلوا الجلوس متكاسلين ينظّرون على الناس ويطلقون الأحكام حتى على النوايا.. بينما واقعهم أسود بلون الظلم الذي يعانون منه منذ سنوات..؟!

والمشكلة الكبرى.. لا يريدون الاعتراف أن البقاء على نفس العقلية ونفس الفكر ونفس «اللاعمل»... سيؤدّي إلى الخراب التام..؟

«لبنانكم» لن يستمر

إن لبنان هذا الذي أردتموه - أيها المسؤولون جميعا - على مقاسكم لن يستمر ولن يبقى، ولا نقول هذا الكلام جلدا للنفس أو حبّا بالتشاؤم، ولكن نقوله استقراء لواقع سوداوي مؤلم يحيط بنا من كل جانب، وأنتم السبب في وجوده..

نقول هذا الكلام بعدما صُمّت الآذان عن سماع نحيب الأطفال وبكاء الكبار ودعاء الأمهات «معاناة صمت الآباء»..؟! وبعد أن رأينا مواطنين يأكلون من «مستوعبات القمامة».. ويشربون من كأس المرارة ويتعرّون في عزّ الشتاء فقرا وحاجة و«يتنعّمون» بالجهل نتيجة لجرائمكم..؟!

بل إنّا ما نراه كل ساعة من حولنا من طلب الموت لأنه أهون من العلاج، ومن تحمّل الجوع، ومن سكوت على الظلم كرها لا طوعا، هو وقود سينفجر في وجوهكم جميعا وقريبا بإذن الله تعالى..؟!

نعم... «لبنانكم» هذا لن يستمر، فسوف نعيد «لبناننا» الذي نريد، أما ظلمكم وجبروتكم فقد كذبتم وصدق الله العظيم الذي بشّرنا فقال: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ}.