بيروت - لبنان

اخر الأخبار

12 أيلول 2019 12:02ص ذكرى عاشوراء.. ذكرى الشهادة ووحدة المسلمين

د. حسان حلاق خلال إلقائه كلمته د. حسان حلاق خلال إلقائه كلمته
حجم الخط
نلتقي اليوم مجدداً لإحياء ذكرى عاشوراء في الجمعية الخيرية الإسلامية العاملية، هذه الجمعية التي تحرص كل الحرص على أن تكون ذكرى عاشوراء ذكرى إسلامية شاملة، بل ذكرى لبنانية يُشارك فيها الجميع لإحياء القِيَم والنبل والمثل العليا والمبادئ السامية، وإحياء ذكرى الشهادة، الشهادة، الشهادة دفاعاً عن الحق في مواجهة الظلم من أية جهة أتى، فألف تحية إلى الجمعية الخيرية الإسلامية العاملية رئيساً وأعضاء وأجهزة إدارية وتربوية.

إن ثورة الحسين عليه السلام، ليست في جذورها تخصّ فئة من المسلمين وتحديداً الطائفة الشيعية الكريمة، بل كانت وينبغي أن تبقى تخصّ المسلمين عامة بل تخصّ اللبنانيين وتخصّ كل من يُعاني الظلم والإجحاف.

لقد دعا مفتي الجمهورية اللبنانية الشهيد الشيخ حسن خالد إلى مشاركة الطائفة السنية في ذكرى عاشوراء لأنه من الخطأ الاعتقاد بأن عاشوراء هي شأن شيعي فحسب، بل أكد على ان عاشوراء شأن إسلامي عام، وكان رحمه الله أوّل من سعى لأن تكون ذكرى عاشوراء عطلة رسمية في لبنان، بل أقام الذكرى في دار الفتوى بمشاركة الرئيس شارل حلو.

وكان السيّد الإمام موسى الصدر يؤمن بدوره بأن ذكرى عاشوراء ذكري إسلامية ولبنانية، وينبغي على الجميع المشاركة في إحيائها لأن أحداً من النّاس لا يرضى بالظلم والعنف والقتل وسلب الحقوق، وكان الإمام المغيّب المدافع الأول عن المحرومين والمظلومين طالباً رفع الظلم والعنف والحرمان ليس عن الشيعة في لبنان فحسب، وإنما عن جميع اللبنانيين.

وبدوره دعا السيد هاني فحص إلى المشاركة السنية في يوم عاشوراء لتأكيد إسلامية الذكرى مؤكداً بأن الثورة العاشورائية الحسينية، وإن ابتدأت مع الحسين عليه السلام، غير انها لم تبدأ شيعية بل كانت ثورته ضد الظلم أي ظلم، لذلك أصبحت مع الزمن ثورة إسلامية بل عالمية، ثم يُؤكّد على السنّة أن لا يبتعدوا عن ذكرى عاشوراء مهما كانت أسباب الابتعاد وإن على الشيعة أن يدعوا السنّة إلى المجالس الحسينية المشتركة. وهذا ما تطبّقه العاملية عاملية العيش المشترك منذ نشأتها في بيروت المحروسة عام 1923.

إن على جميع المسلمين الاهتمام بعاشوراء، وعليهم أن يكونوا أكثر عناية وإهتماماً بالإمام الحسين عليه السلام وآل البيت الكرام، وثورة الحسين عليه السلام لم تكن ثورة مذهبية، حيث لم يكن هناك مذاهب وقتذاك، لقد كانت ثورة الإمام الحسين ثورة ضد السلطة، السلطة التي لم يكن حكمها عادلاً بل كان ظالماً.

من هنا أهمية القول، بأن الحسين عليه السلام نموذجاً حيّاً للدفاع عن العدل في مواجهة سلطة ظالمة، وهذا النموذج يحتذى به اليوم لدى جميع الشعوب في العالم، لإرساء مبادئ العدل والمساواة والحرية والكرامة الإنسانية.

لذلك رأى السيد محمد حسين فضل الله بأن كربلاء حركة إسلامية إصلاحية تهدف إلى الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتهدف إلى مبادئ إسلامية عديدة، فهي في حقيقتها تجسيد للأسلوب الإسلامي في الثورة الإسلامية المناهضة للظلم الذي يولد كل سيئات الأنظمة والسلطة أينما كانت، بل كل سيئات الأفراد والأمم.

والحقيقة، فإن العلّامة الشهيد الدكتور صبحي الصالح أشار في كتبه وبحوثه ومحاضراته وخطبه، بأن عاشوراء هي قضية كبرى لأمة كبرى، هي قضية إسلامية بقدر ما هي قضية عالمية، وهي كانت وينبغي أن تكون قضية جامعة موحّدة للمسلمين أينما كانوا، وتساءل: مَن مِن المسلمين مع الظلم والظالم، فقضية الإمام الحسين عليه السلام قضية حق وكرامة وحرية ضد الظلم والظالمين، بل هي قضية إصلاح، وقد أكّد على مسألة الإصلاح الإمام الحسين عليه السلام عندما قال: «خرجتُ لطلبِ الإصلاح في أمةِ جدي عليه السلام..».

من جهة أخرى، فإن الإمام الشيخ محمد مهدي شمس الدين يرى بأن الإمام الحسين عليه السلام عندما ثار على يزيد بن معاوية الخليفة الأموي الثاني (26 - 64هـ/ 647 - 683م) (حكم أربع سنوات 60 - 64 هـ) لم تكن ثورته ضد بني أمية ولا ضد خليفة مسلم، بل كانت ثورته ضد يزيد الذي لم يحكم بالإسلام ومبادئه وعقيدته، ولم تكن ثورته إنطلاقاً من كراهية الهاشميين للأمويين، لذلك، فإن الثورة الحسينية هي ثورة إسلامية متكاملة، وليست ثورة شيعية قائمة بذاتها. وأكد الإمام الشيخ محمد مهدي شمس الدين بأن مسؤولية تحويل ذكرى عاشوراء إلى ذكرى شيعية فحسب، إنما يتحمّل مسؤوليتها العصر البويهي (932 - 1062م) الذي أعطى الذكرى طابعاً شيعياً، وكان ذلك تزويرا إجرامياً للتاريخ الإسلامي ولتاريخ عاشوراء واستغلالاً لها ولقيمها الدينية والإنسانية والثقافية. وأضاف بأن البويهيين زوّروا التاريخ الإسلامي وسرقوا الذكرى، وأعطوها ثقافتهم المذهبية والطائفية على حساب خصائصها الإسلامية الجامعة والموحّدة للمسلمين ضد الظلم.

يقول العميد الدكتور توفيق سليم بأن الإمام الشيخ محمد مهدي شمس الدين يُؤكّد على خطأ أن تكون وظيفة عاشوراء شيعية وقال: «كان من خطأ أرباب الفكر في ذلك، انهم استجابوا بهذا التغيير، ودرج المسلمين من ذلك الحال، وإلى العصر الحديث على هذا اللون من الفهم التاريخي المزوّر والمخالف لروح الإسلام ولحقيقة التاريخ الإسلامي».

وأضاف سماحته في كلمته في ذكرى عاشوراء في العاملية في 10 محرم 1401هـ/ 18 تشرين الثاني 1980م: «إن الشيعة مخطئون في فهمهم لهذه الذكرى على أنها ذكراهم، هم ينسبون إليهم وحدهم ذكرى هي ليست لهم وحدهم بالتأكيد، إن حكم يزيد بن معاوية لم يعارضه شيعة أهل البيت وحدهم بل الكثير من المسلمين أمثال: عبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمر، علما ان المذاهب حينها لم تكن موجودة، كان هناك رجال ثائرون مسلمون. إن ثورة الحسين إسلامية...»، ثم يطالب إعادة النظر وبشجاعة في مسألة احياء ذكرى عاشوراء لتتحوّل إلى ذكرى إسلامية وليست شيعية فحسب. وقال: «نحيي جميعاً ذكرى إسلامية تتمثل من خلال ثورة الحسين باعتبارها تراثاً إسلامياً».

ويؤكد السيد محمد حسين فضل الله بالقول: «نحن لسنا جماعة بني امية، ولا جماعة بني هاشم، نحن جماعة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) والهاشمية وحدها لا تعتبر قيمة في ذاتها، فأبو لهب هاشمي..».

لذلك، ليس المهم أن تكون منسوباً إلى قبيلة أو عشيرة ما، وليس المهم أن تكون منتسباً إلى عائلة ما ذات بُعد سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي، ولكن الأهم أن تكون محارباً للظلم والظالمين، رافعاً شأن وراية الحق والحقيقة، والأمر الملاحظ ان السيد محمد حسين فضل الله توافق في كثير من آرائه مع السيد محسن الأمين لا سيما فيما يختص بأهمية أن تكون احتفالات عاشوراء احتفالات إسلامية وليست شيعية فحسب، فضلاً عن تنقيتها من بعض ظواهرها، بل صدرت فتاوى بتحريم بعض ممارسات عاشوراء.

يقول السيد هاني فحص بأن عاشوراء هي في الأساس قضية كل من يدافع عن الحق ويرفض الظلم، لذلك دعا أن تكون عاشوراء إسلامية وإنسانية وليست شيعية فحسب، وقال: «إن أجمل ما قرأت في كربلاء بعضه شيعي وبعضه مسيحي وأكثره سنّي من العلّامة عبد الله العلايلي، إلى عباس محمود العقاد، إلى طه حسين إلى عبد الرحمن الشرقاوي إلى جورج جرداق...».

ثم قال: ان الصدور العامرة بالإيمان والحب لا يزيدها تذكار الحسين إلا حباً وشفافية وشوقاً على الآخر، الشريك في الإيمان والوطن والمصير والوجع والحلم.

لهذا، يُمكن القول ان قضية الحسين عليه السلام، هي قضية كل إنسان عادل يؤمن بالحرية والنزاهة والحق بغض النظر عن مذهبه ودينه ودولته.

وفي دعوة إلى الإتحاد والتآخي والتلاقي يقول سماحة مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار في محاضرة ألقاها في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى «فإذا كان موقفنا معاً سُنّة وشيعة من آل البيت الكرام موقف الحب والإجلال والتكريم، فإن الأولى بشهادة الحسين بما تمثله من قيمٍ وعبرٍ ومُثلٍ مدعاة تجميع ووحدة وحب وتلاقٍ وأستلهام للمعاني والقيم الشريفة التي قضى من أجلها وفي سبيلها.

نخرج إذاً في ذكرى عاشوراء من قلوبنا ومشاعرنا وصفحات تاريخنا كل ما من شأنه أن يُباعد أو يفرّق بيننا، فنحن جميعاً أتباع محمّد (صلى الله عليه وسلم) وأحباب الحسين، ولا يجوز أبداً لا في منطق التاريخ، ولا في قيم الإسلام والإيمان ولا بما نعقله من القرآن أن نضع قطرة واحدة من دم الحسين عليه السلام الطاهر، أو دم من قضى معه من الأصهار والأخيار في عتق أو مسؤولية أحد من أهل السنة، أو أن نأخذه بجريرة القتلة المجرمين الذين أطبقت الأمة على شنيع فعلتهم، وقبيح ما ارتكبت أيديهم وسوء خاتمتهم وعاقبتهم، وإذا كانت تلك الحقائق كذلك، فلماذا نفترق، بل لماذا لا نتحد ولدينا كل مقومات التلاقي والإتفاق، ويجمعنا دين عظيم متين به نحيا وبه نسمو ونهنأ».

ومن الأهمية، بمكان القول، ان الكثير من السنّة والشيعة ينسبون إلى آل البيت وإلى النسب الشريف ويعودون بجذورهم إلى الشريفة السيدة فاطمة الزهراء وإلى السادة الأطهار الحسن والحسين وزين العابدين وبقية السادة الأشراف، وقد أنشئت في البلاد العربية والإسلامية على مر العصور نقابة السادة والأشراف التي أثبتت على ان كثيراً من السُنّة والشيعة من جذور شريفة واحدة ومن نسب واحد.

فكروا معي وأعلنوا بصوتٍ عالٍ، طالما ان السُنة والشيعة من جذور شريفة واحدة، يعودون إلى آل البيت الشريف، فلماذا الفرقة، ولماذا التشرذم، ولماذا التفتت طالما نحن أولاد عمومة وأخوة ونسبٍ واحد؟

أيها الأحبة،

ننطلق من الدعوات المخلصة لعلماء الشيعة وعلماء السُنّة في أن تكون ذكرى عاشوراء - كربلاء ذكرى الوحدة الإسلامية في التاريخ المعاصر، وهذه الدعوات المخلصة من كبار العلماء المسلمين هي دعوات خالصة لوجه الله عزّ وجلّ، وعلينا جميعاً مرجعيات سياسية ودينية واجتماعية وعلمية وثقافية واقتصادية التجاوب لصهر الطاقات من أجل الدفاع عن الحق في وجه الظالم أي ظالم، ولتكن ثورة الحسين عليه السلام نموذج يحتذى به في وجه الفساد والظلم والطغيان.

ومن الأهمية بمكان القول، بأن الدعوة إلى وحدة الصف الإسلامي في هذه الظروف اللبنانية والعربية والإقليمية والدولية هي أكثر من ضرورة إستراتيجية، وبالمناسبة فإنني أدعو كمظهر من مظاهر وحدة الصف الإسلامي ليس المشاركة الإسلامية في عاشوراء فحسب، بل علينا أن نوحّد توقيت بدء وانتهاء شهر رمضان المبارك، وأن نوحّد توقيت العيدين: الفطر السعيد والأضحى المبارك والوقوف في عرفة، وسوى ذلك من مظاهر وحدوية.

لقد مرّ السُنة والشيعة والدروز في عصر الإنتداب الفرنسي وعهود الاستقلال بمحنٍ سياسية مريرة، فكان اتحادهم في إطار الكتلة الإسلامية عام 1943 إطاراً مهماً للوصول إلى تحقيق مطالبهم المحقة في دولة لبنان الكبير في الجمهورية اللبنانية، وهكذا كانوا في السبعينات والثمانينات وفي إتفاق الطائف عام 1989، ولم يكن الهدف من وحدتهم الإسلامية سوى المقدمة الأساسية لوحدة اللبنانيين ورفع الغبن والحرمان والظلم الذين كانوا يعانون منه طيلة سبعين سنة (1920 - 1990).

تأسيساً على ما تقدّم، فإننا نوصي جميع المرجعيات الإسلامية العمل الدؤوب والمثمر والبنّاء من أجل وحدة إسلامية متراصّة تحفظ المسلمين من التجزئة والتفتت والضعف، وتحفظ لبنان من الإنقسامات والفتن التي طالما عانى منها لبنان طويلاً.

إنها دعوة للمسلمين ولأخواننا المسيحيين يداً بيد من أجل إقامة نظام يؤمن بالعدالة والمساواة والحرية ويرفض الفساد والظلم والإستئثار بمقدرات لبنان، لنعمل معاً من أجل لبنان دولة عريقة للمستقبل.

أحبتي، إن أيةَ وحدةً إسلاميةً جامعة لا تستهدف أية جماعة أو أية فئة لبنانية، بل هي قوة ومناعة للبنان ولجميع اللبنانيين تعميقاً للعيش المشترك، وبالرغم من ان عدد المسلمين أصبح 70٪ من اللبنانيين غير ان المسلمين لم يشعروا مرّة واحدة ان الكثرة العددية ميزة لهم على الغير، بل اعتمد المسلمون مبدأ الرئيس الشهيد رفيق الحريري القائم على أننا أوقفنا العد، واعتمدنا مشاركة الطوائف في السلطات الثلاث وفي أجهزة الدولة دون إستثناء تأكيداً على تفاهم اللبنانيين على أن اتفاق الطائف هو الضمان الحقيقي لإستقرار وأمن لبنان.

أيها الأحبة،

أشكر شكراً جزيلاً الجمعية الخيرية الإسلامية العاملية رئيساً وأعضاء لإتاحة هذه الفرصة النبيلة الشريفة لي لإلقاء هذه الكلمة في هذه المناسبة النبيلة.

  * أستاذ في جامعة بيروت العربية.
** كلمة ألقيت في ذكرى عاشوراء في الجمعية الخيرية الإسلامية العاملية.