لم ينسَ المسلمون يوم السادس عشر من أيّار عام 1989 يوم امتدت يد الغدر لتغتال مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ حسن خالد الرجل القوي في قول الحق دون مهاودة أو مساومة.
يوم السادس عشر من أيّار عام 1989 أي ما يقارب مرور 31 عاماً على اغتيال قامة دينية ووطنية وعلمية أعني به الشهيد سماحة مفتي الجمهورية الشيخ حسن خالد الذي نفتقده، نفتقد فيه العالم ونفتقد فيه الإنسان الجامع الإنسان الوطني الذي لم نشعر فيه إلا حبه لأمته ووطنه وللقضية الأم القضية الفلسطينية.
باغتيال المفتي الشهيد حسن خالد خسر لبنان والعالم العربي والإسلامي رجل المواقف النبيلة والجريئة... ووقوفه في وجه الظلم وحبه ودفاعه عن وطنه لبنان وعيشه المشترك كانت ثمناً لدمائه النقية الطاهرة التي سالت على مقربة من دار الفتوى هذه الدار التي حرص على حمايتها وبذل جهداً كبيراً من أن تكون بيتاً للطائفة السنية بشكل خاص وللطوائف الإسلامية بشكل عام.
فماذا يستذكر العلماء عن الشيخ الشهيد حسن خالد بعد مرور 29 عاماً على إغتياله... هذا ما سنجيب عنه في تحقيقنا التالي:
الصلح
بدوره اعتبر المفتي الشيخ خالد الصلح، مفتي بعلبك: الرجال مواقف كم هي حزينة ومؤلمة، وكم هي ثقيلة تلك المحطات التي مرّ بها وطننا لبنان، وذلك برحيل رجالاتنا في سبيل حرية واستقلال هذا البلد.
وقال: ما أجمل لبنان وتضحيات رجاله الذين اغتيلوا بعبوات الغدر والحقد فلا بد أن يبقى لنا معهم عن قرب محطات ذكرى ووفاء حيث عرفناه جيدا رحمه الله تعالى.
ومن هذه المحطات الوطنية ذكرى استشهاد مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ حسن خالد رحمه الله في 16 أيار 1989 الذي بدمه شكّل مرحلة مفصلية في تاريخ لبنان بعدما كان مرجعاً وعموداً أساساً في مسيرة الحفاظ على عروبة لبنان وكرامته الوطنية الى جانب القوى الوطنية في ذلك الزمن الصعب.
عرفنا المفتي الشهيد بمواقفه الوطنية وبانفتاحه على الآخر ورفضه للحرب التي عصفت بين ابناء الوطن الواحد، وهو الذي أراد لبنان مستقلاً حراً نزيهاً.
وتابع: في مثل هذا اليوم فَقدَ لبنان أحد أهم رجالاته في الدعوة الى الوحدة والحوار والإعتدال، وفي الليلة الظلماء يفتقد القمر الذي استطاع في غمرة الحرب الأهلية اللبنانية أن يبني جسور الحوار والتلاقي والتصالح بين اللبنانيين جميعا، وقد شكّل المفتي الشهيد رافعة أساسية إلى جانب الإمام موسى الصدر والبطريرك صفير. في إيقاف الحرب الأهلية التي عصفت لبلدنا لبنان بمواقفه الرائدة، وإنجازاته بالتفاني في العمل البنّاء والمخلص لقضية قيام لبنان. فقد حمل المفتي الشهيد قضية لبنان، وقضية مسلمي لبنان الى كل العالم، فكان خير مدافع عن وحدة لبنان شعباً وأرضاً، ورفع راية عروبة لبنان وطناً نهائياً لجميع أبنائه، في الوقت الذي كان البعض يسعى لتقطيعه وتفتيته. لقد عمل مع القيادات الوطنية لإخراج لبنان من مستنقع الحرب الأهلية التي قضت على الوطن والمواطن، وأحرقت الأخضر واليابس، ومضى متمسّكاً بدينه وعروبته ولبنانيته، رافضاً كل تدخّل خارجي، تحت أي مسمّى من المسمّيات، حتى دفع حياته ثمناً لهذه المواقف المبدئية السامية. لذلك فقد كان باستشهاده، يرحمه الله، الضحية الكبرى، دفاعاً عن سيادة الوطن وحريته واستقلاله، رحم الله المفتي الشهيد الشيخ حسن خالد الذي كان وسيبقى ذكرى طيبة في تاريخ لبنان الحديث.
دلي
أما مفتي حاصبيا ومرجعيون الشيخ حسن دلي فقال: في ذكرى استشهاد قامة وطنية من قامات لبنان وفلسطين والأمة العربية والإسلامية أعني به سماحة مفتي الجمهورية اللبنانية الشهيد الشيخ حسن خالد، ذلك الرجل الذي كان حاميا للوطن بكل ما أوتي من قوة الموقف والقرار، حافظ سماحته على الوطن بكل مكوّناته وأطيافه وطوائفه، كان جامعا لمكوّنات لبنان من أجل الحفاظ على الوطن.
وأضاف: رزقه الله الشهادة لأنه أرادها وطلبها، وكان مجاهدا في كل قضايا الأمة وخاصة القضية الفلسطينية التى كان يتطلع الى اليوم ليندحر الاحتلال الغاصب عن أولى القبلتين وثالت الحرمين، كان مقاوما بحمايته لقضية المسلمين والعرب، وكانت كل مواقفه ومؤتمراته لا بد وأن تكون القضية الفلسطينية أولوية، استشهد سماحته من أجل انه صدح بالحق وقال لمن اغتاله لا بقوة الرجل المحافظ على كيان لبنان فخافوه وأعدّوا المتفجرات ليكون في ركب الشهداء أمثال فضيلة الشيخ أحمد عساف وفضيلة الشيخ صبحى الصالح ومن بعده الشهيد رفيق الحريري رحمهم الله تعالى، وهذا قدر رجال هذه الأمة وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابتهم مدافعين عن الحق وعن الدعوة وعن وجودهم حتى الشهادة.
واليوم نتطلع الى من يسير على خطى الشهيد، أعني به سماحة مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ الدكتور عبد اللطيف دريان بارك الله بعمره وأعانه على إحقاق الحق وأخذ بيده الى ما فيه مصلحة الأمة والوطن. رحم الله الشهيد سماحة الشيخ حسن خالد وكل الشهداء الذين سقطوا بيد الغدر والاعتداء ورزقهم الفردوس الأعلى مع الأنبياء والشهداء والصدّيقين والأولياء.
عريمط
أما القاضي الشيخ خلدون عريمط فقال: رحم الله المفتي الشهيد حسن خالد، لقد كان صفحة مشرقة من تاريخ لبنان وهو يدافع عن المسلمين واللبنانيين جميعاً وهو الذي حمل في نفس الوقت القضية الفلسطينية في قلبه وعقله، ويمكن القول ان المفتي الشهيد الشيخ حسن خالد هو من بقية السلف الصالح الذي تعالى عن صغائر الأمور وبقي شامخاً متواضعاً قوياً يدافع عن بيروت وأهلها وعن لبنان ليبقى سيداً حراً عربياً مستقلاً.
وتابع قائلاً: والمفتي الشهيد حسن خالد سيبقى قيمة دينية ووطنية وعربية ما شاء الله ولا شك بان المنصفين من المؤرّخين سيذكرون بكل فخر واعتزاز هذا المفتي المميّز باقواله وأفعاله وسلوكه وقوته وتواضعه سيذكرونه بهذه الصفات وغيرها. وقد شاءت لي إرادة الله أن أعمل بجانبه لمدة خمسة عشر عاماً فقد كان لا يخاف في الله لومة لائم ويلتقي مع الملوك والرؤساء والأمراء وهو يحمل في قلبه الكبير قضية لبنان وقضية الوحدة الوطنية في لبنان وقضية الوجود الإسلامي في هذا الوطن.
وأضاف: لقد استشهد المفتي حسن خالد ولم يترك شيئاً من حطام الدنيا لأسرته، عاش كبيراً ومات كبيراً، وندعو الله سبحانه وتعالى أن يحشره مع الأنبياء والشهداء والصدّيقين وحسن أولئك رفيقاً ولا بدّ من تسليط الضوء على مسيرته وأسلوب عمله في دار الفتوى وبقية المؤسسات التي انشأها ورعاها لنتعلم جميعاً من هذه النفس الكبيرة والظاهرة التي مرّت في تاريخ المسلمين واللبنانيين.
الكردي
القاضي الشيخ أحمد درويش الكردي كان المفتي الشهيد الشيخ حسن خالد علماً من أعلام الأمة الإسلامية وكان مؤسساً ومشاركاً فاعلاً لكثيرٍ من المؤسسات والروابط العربية والإسلامية والعلمية في العالم العربي والإسلامي.... ومن أهمها رابطة العالم الإسلامي.... لقد كان المفتي الشهيد رجلاً في أمة.. ولذلك كان لا يعيش بل يعيش لأمته ويعمل لخدمتها بالدرجة الأولى فبنى المؤسسات الإسلامية والخيرية والمجتمعية... وكان همه الأول حال فقراء المسلمين... وكان رحمه الله تعالى يسعى لإنشاء بيت مال للمسلمين يرعى شؤونهم المجتمعية كافة كما كان في نشأة الإسلام.... ومن هنا نشأت فكرة صندوق الزكاة ليكون المحل الصالح لجمع زكاة المسلمين وتوزيعها للفقراء والأرامل والأيتام والمساكين وفعلاً كان له ما أراد وكذلك أنشأ مؤسسات الدكتور محمد خالد الاجتماعية... لقد كان المفتي الشهيد قريباً إلى عامة الناس قريبا إلى العلماء ويتواصل معهم وكان قريبا إلى طلاب العلم قريبا إلى رجال العلم والفكر والسياسية فقد استطاع المفتي الشهيد بلابقته وفكره أن يكون مع السياسيين سياسياً ومع العلماء عالما ومع رجال المجتمع كواحد منهم... بل وكان في بيته الرجل الرحيم وكان غير متكلف في حياته يعيش حياته بكل بساطتها... وهو في هذا الخلق يتأسى بنبينا وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فقد كان عليه الصلاة والسلام من رآه بديهة هابه ومن خالطه معرفة أحبه... وهذا هو الخلق المحمدي الذي انصبغ به المفتي الشهيد رحمه الله... لقد كان من الناس وللناس يحبهم ويخاف عليهم ويسعى في مصالحهم ولم يجعل مكانته ومقامه مانعاً من تواصله معهم جميعاً... وقد كان الناس كل الناس يلتقي به... بل كان يلتقي بهم من خلال خطب الجمعة والعيد وفي كثير من الأوقات... وكان كثير من الناس يشعر أن المفتي الشهيد هو لهم ملجأ وموئل وكانوا يلجؤون إليه بالملمات والمهمات.... بل لم يكن معه من يمنع الناس عن التواصل معه رحمه الله.... كما في أيامنا الحالية لكثرة المرافقين والأمن وكأن الرجل المسؤول يخاف من ناسه وشعبه انقطع عنهم بسبب ذلك... وكان رحمه الله تعالى لا يخاف في الحق لومة لائم... وكان يواجه الباطل والظلم مهما عظمت سطوة الظالم ويدافع عن المظلومين... وحينما أدرك رحمه الله أن أيدي الغدر والخيانة ستطاله كما طاولت الشيخ صبحي الصالح والشيخ أحمد عساف فكانا شهيدين من شهداء الوطن نصحه أحدهم أن يركب سيارة مصفحة... فقال له رحمه الله لو علم بذلك من يريد اغتيالي لضاعف كمية المتفجرات فيصيب عامة الناس أذىً شديداً... فلا أريد أن يتأذى المواطنون بذلك.... لقد كان رحمه الله رجلاً في أمة... وكان رجلاً على مستوى الوطن... وكان علماً من أعلام الأمة الإسلامية.... وحينما استشهد في السادس عشر من أيار اهتز لبنان بل..... واهتز الوطن العربي لاستشهاده رحمه الله تعالى...